نافذة الثقافة العربية

كتب عربية ألهمت العالم

الكاتب : محمد زين العابدين

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد السادس والستون Apr, 01 2022
هذا الكتاب يطوف بنا في رحلة شديدة الثراء، في عصور ازدهار الحضارة العربية، ويقدم لنا عصارة الفكر العربي، من خلال مجموعة من الكتب الخالدة، التي ألهمت العالم، وأضاءت للبشرية طريقها في خضم عصور الظلام الأوروبي. والجميل في الكتاب، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ أن مؤلفه سامح كريم، الرئيس الأسبق للقسم الأدبي بجريدة (الأهرام)، التزم الأسلوب العلمي الدقيق في توثيق المعلومات، والتواريخ، والمصادر، وقدم معلومات قيمة، ونادرة عن الكتب العربية التي ألهمت العالم، وأصحابها.

فأصحاب هذه الكتب التي صنعت الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى، وأثرت في الفكر الغربي؛ كان كلٌ منهم أحد محاور حضارتنا النبيلة، وعقلاً مبدعاً أضاء العالم. يضم الكتاب ستة فصول؛ الأول، يتناول إسهامات أعلام الحضارة العربية في الأدب، والنقد. والثاني، يتناول الفنون بأنواعها، والثالث: العلوم الإنسانية، والرابع: العلوم الطبيعية، والخامس: التصوف الإسلامي، والسادس يستعرض سيرة أبرز أعلام الحضارة العربية. وقد اخترنا لكم مقتطفات عن بعض هذه الكتب، التي ألهمت العالم.

لامارتين

*حكايات (ألف ليلة وليلة): هذه الحكايات امتزج فيها الواقع بالخيال، وسُجِّلت في عدة مجلدات، وطبعت مئات المرات في عشرات اللغات، وبقيت تراثاً خالداً، يعترف بفضله أئمة الفكر العالمي؛ فمثلاً قال عنها فولتير: إنه لم يزاول فن القصة إلا بعد أن قرأ (ألف ليلة وليلة أربع عشرة مرة). أما برنارد شو؛ فأكد أنه وضع الإنجيل و(ألف ليلة وليلة) في مقدمة الكتب التي أثرت في نفسه، وفي إنتاجه الفكري. وقد تأثر الأدباء الرومانسيون في أوروبا بأسلوب الحكايات؛ وفي مقدمتهم لامارتين، وهوجو، وشاتوبريان، وجيراردي. وفي الأدب الإنجليزي؛ أحدثت قراءة (ألف ليلة وليلة) تغييرات في النقد، والإبداع، حتى إن شكسبير تأثر في كتابته لمسرحيتي (عطيل)، و(ترويض النمرة) بالحكايات. وفي أمريكا، يذكر جون أريكسون في بحث عنوانه (انعكاس أدب الوطن العربي في الأدب الأمريكي ) أن كاتبهم إدجار آلن بو (1809_1849م) كتب (الليلة الثانية بعد الألف) من وحي (ألف ليلة)، فتصَّورَ مصيراً مختلفاً لشهرزاد؛ حيث يحكم عليها شهريار بالقتل بعد أن نفد صبره من حديثها المتواصل. وفي روسيا يعيد تولستوي (1828 /1910م) كتابة (ألف ليلة) بأسلوب مبسط، ولغة جذابة، محافظاً على تسلسل أحداثها، مكتفياً بصياغتها بأسلوب روسي، مبدلاً بأسمائها العربية أخرى روسية، ويترجمها مكسيم جوركي (1868/ 1936م) إلى الروسية، ليستفيد من قراءتها ملايين القراء، ويقول عنها (إنها الكتاب الأدبي الأول الذي طالعه بعد أن تعلم القراءة، وصحبه منذ الثانية عشرة من عمره حتى آخر سنوات حياته).

*(رسالة الغفران) للمعري: ماذا يحدث لو كان الأب ميجيل آسين بلاسيوس قد أخفى اكتشافه، وجعله سراً يدفن معه؟ هذا الاكتشاف الذي أكد أن رائعة أوروبا المعروفة بالكوميديا الإلهية، لشاعر العصور الوسطى الإيطالي دانتي أليجيري منقولة عن أصول عربية. لقد كانت قنبلة هائلة، تلك التي ألقاها أكبر المستشرقين الإسبان (الأب بلاسيوس) (1871-1944م) بإعلانه أن دانتي (1265/ 1321م) في رائعته (الكوميديا الإلهية)، مقلداً الكتب العربية التي وردت عن معراج النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأهمها (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري (973-1057م)، و(الفتوحات المكية) لابن عربي (1165-1240م).

فيكتور هوجوأما عن أوجه التشابه، والتقليد بينها؛ فرسالة الغفران هي رحلة خيالية إلى الدار الآخرة، كتبها المعري رداً على رسالة وردته من صديقه ابن القارح (972_ 1030)، أحد أئمة الأدباء، تحامل فيها على بعض الأدباء، حيث رأى أن مصيرهم جميعاً هو النار، جزاء ما قالوه، وفعلوه. ولقد كتبها المعري على لسان ابن القارح، بعد استنهاضه من قبره، ليبين له سعة عفو الله، وليدلل على أن بعض الشعراء، والأدباء في الجاهلية، أو في الإسلام، يمكن أن تشملهم رحمة الله، فيصيروا من أهل الجنة، إما لعمل صالح فعلوه، أو لنية طيبة أضمروها. أما «(لكوميديا الإلهية) فهي رحلة خيالية أيضاً إلى الدار الآخرة، قام بها دانتي، متخذاً دليلاً، هو الشاعر الروماني الخالد (فرجيل) الذي عاش، ومات قبل الميلاد؛ حيث اصطحبه في هذه الرحلة، مبتدئاً بالجحيم-على عكس المعري-الذي ابتدأ بالجنة، وإبان ذلك يناقش دانتي صاحبه فرجيل في جوانب كثيرة، من الفكر، والحياة، والناس، متفنناً في وصف الجنة، والأعراف، والجحيم، وتخيل المشاهير من الأدباء، والمفكرين، ممن سبقوه، أو عاصروه، وفي مقدمتهم سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وبابوات روما، في أماكن مختلفة ، يحادثهم، ويسألهم، عما أدى بهم إلى هذه الأماكن.

*(الفتوحات المكية) لابن عربي:  إذا كانت (الكوميديا الإلهية) لدانتي، قد استقت فكرتها الموحية، وخطوطها العريضة، من (رسالة الغفران) للمعري؛ فإن تصاويرها، وتكويناتها، في رحلتها إلى السماء، تشابهت تشابهاً تاماً مع بعض ما جاء في كتاب (الفتوحات المكية) لابن عربي. وهذه المشابهة كانت من الدقة، والتفصيل، والمطابقة، بشكل يؤكد أنها لم تكن أمراً عرضياً، أو توارد أفكار. أول تشابه من المشابهات التي كشف عنها (بلاسيوس)؛ هي في الروح العامة للعملين؛ فالكوميديا الإلهية لدانتي، تتشابه إلى حد كبير مع ما جاء به ابن عربي في (الفتوحات)؛ حيث اتخذ من رحلة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى العالم الآخر، وعروجه إلى السماء، رمزاً على نشور الأرواح. وتشابه آخر، أن كلا الكتابين يميل إلى استخدام الهيئة الدائرية، أو صورة قبة الفلك؛ فأطباق الجحيم، ومسارات النجوم، ودوائر الوردة الصوفية، وجماعات الملائكة التي تحف بمطلع النور الإلهي، كل هذه وصفها دانتي، كما وصفها ابن عربي من قبل في أربع صفحات متوالية من (الفتوحات المكية)، أما التشابه الثالث؛ ففي اهتمامهما بالجغرافيا الفلكية.

شكسبير*(حي بن يقظان) لابن طفيل: لو أن الفيلسوف، والأديب، والطبيب، أبو بكر محمد بن طفيل بعث حياً من مرقده، ورأى بعينيه ما صنعوه بقصته (حي بن يقظان)، تحت أسماء، ومسميات أخرى، دون إشارة إليه؛ لاعترض عليهم، وربما قاضاهم!. فقد حوَّلها (كبلنج، وبيروفز) إلى أفلام: (سابو، والأدغال)، و(طرزان)، و(والت ديزني). ونقل عنها (دي فو، وروسو، وجراسيان) شخوص وأحداث رواياتهم (روبنسن كروزو، وإميل، وكريتكون). كما انتزع رؤيتها الفلسفية (توما الأكويني)، و(إسبينوزا). فابن طفيل حين شرع في الكشف عن أسرار الحكمة، وحقائق الوجود؛ قام بتأليف رسالة (حى بن يقظان)، قاصداً إلى بيان الاتفاق بين الدين والفلسفة، متخذاً القالب القصصي سبيلاً لعرض آرائه، متأثراً بمصادر إسلامية، في مقدمتها القرآن الكريم، مستخدماً الأسلوب الرمزي كطابع عام، هادفاً إلى تمجيد العقل الإنساني، وإعلاء شأنه، كمبدأ من مبادئ التفكير، كفريضة إسلامية.

* (آراء أهل المدينة الفاضلة) للفارابي: هذا الكتاب الذي لا تزيد صفحاته على المئة والثلاثين صفحة؛ ابتدأ صاحبه (أبو نصر الفارابي) بتأليفه ببغداد، قبل عام (330) هجرية، وحمله إلى الشام، وأتم مادته في دمشق عام (331) هجرية، ثم قسمه إلى فصول، لينشره بمصر عام (337) هجرية، وليبقى بعد ذلك تسعة قرون، مجهولاً، حتى يعثر عليه المستشرق الألماني (ديتريشي)، فيطبعه في القرن التاسع عشر، ويكشف أن عشرات مؤلفات رواد النهضة الأوروبية، قد تأثرت به. وبهذا الكتاب أراد الفارابي أن ينشئ مدينة فاضلة، وفقاً للمبادئ الرئيسية التي تقوم عليها فلسفته، وآراؤه التي تحتوي على قسمين؛ أولهما: يتضمن مبادئه الفلسفية، ورأيه في السعادة، والأخلاق، والكون، وخالقه، وما وراء الطبيعة، وغيرها من الجوانب التي سيراعيها في إنشاء مدينته. وثانيهما: اجتماعي، ويتضمن فكرته عن إنشاء المدينة، وفيه شرح لشؤونها، وأحوالها، وما ينبغي أن تكون عليه في جوانبها الاجتماعية، والاقتصادية. يبقى بعد ذلك آراء أهل هذه المدينة، والتي لم يتجاهلها الفارابي؛ فلم يكتف بالمدينة الفاضلة عنواناً لكتابه، كما فعل (أفلاطون) حين اكتفى بالجمهورية؛ وإنما أضاف إليه آراء أهلها.

أما صاحب الكتاب (أبو نصر الفارابي)؛ فولد في بلدة (فاراب) فيما وراء النهر، ولقب بأبي نصر، لأنه كان ينتصر في كل المسائل التي تواجهه. ولقب بالمعلم الثاني، لأنه كان أول من قام بشرح فلسفة المعلم الأول أرسطو، واعتبر أحد الحكماء الأربعة في تاريخ الفكر العالمي؛ حيث قيل إن الحكماء أربعة: اثنان قبل الميلاد، هما أفلاطون، وأرسطو، واثنان بعد الميلاد، هما الفارابي، وابن سينا. ولقد أتى حين من الدهر على فلسفة أفلاطون، وأرسطو، كانت مبعثرة. ثم أتى الفارابي ليجمع شتاتها، ممهداً السبيل لليونانيين، وأوروبا، لفهمها.

*(الشفاء) لابن سينا: قصد ابن سينا من تأليف كتاب الشفاء هدفاً محدداً، لموضوعٍ غير محدد؛ فالهدف هو شفاء النفس من عللها ، وأخطائها، إلا أن موضوع هذا الشفاء غير محدود؛ ولذلك لم يكن غريباً أن تغطي مادة الكتاب ثمانية وعشرين مجلداً، متضمنة أربعة أقسام رئيسية، هي الفلسفة، والمنطق، والطبيعيات، والرياضيات. والكتاب يشبه دائرة المعارف المتكاملة، مع أن مؤلفها لم يحظ بنوع من الاستقرار المطلوب لمثل هذا التصنيف؛ فقد كان ابن سينا يؤلف بعض فصوله، وهو على صهوة جواده، على سفر، أو في طريقه إلى معركة، حتى قيل إنه أتم تأليفه فيما يزيد على العشر سنوات، وبدأه في (همذان)، وأتمه في (أصفهان). ولعل خير تكريم للكتاب، وصاحبه؛ أنه استمر مرجعاً لمفكري أوروبا، وعلمائها، وجامعاتها، لأكثر من ستة قرون. ولقد بشَّرت الأقسام العلمية منه، باكتشافات كانت لها قيمتها، ابتداء من القرن السابع عشر، خصوصاً نظرية (القصور الذاتي) لجاليليو، ونظريات النشوء والارتقاء، لداروين.