نافذة الثقافة العربية

مصطفى العقاد مخرج عالمي بتوقيع عربي

الكاتب : سوسن كامل

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد الثالث والستون Jan, 01 2022
(قيل لنابليون بونابرت يوماً ما: إن جبال الألب تمنع تقدمك.. فقال: يجب أن تزول من الأرض!) هذه الإرادة والإصرار والعزيمة، هي التي حققت انتصارات القائد الفرنسي العظيم، وهي نفسها التي خطت نجاحات المخرج العربي العالمي مصطفى العقاد الذي مرت الذكرى السادسة عشرة على وفاته الشهر الفائت.

ولد المنتج والمخرج السوري العالمي مصطفى العقاد في عام (1930م) بمدينة حلب السورية، ودرس في مدارسها، وفي أثناء دراسته فيها قدم مسرحية (شاعر من الصحراء)، وتم عرض المسرحية في معظم أرجاء سوريا. عشق العقاد فن السينما وهو في سن العاشرة، حيث بدأ بتصوير عائلته وأشقائه وأصدقائه، وبدأ شغفه بالأفلام يكبر معه منذ صغره، حتى وصل إلى عامه التاسع عشر، وراح في هذه الفترة يعد نفسه للدراسة في أمريكا ليحقق حلمه، ويدخل عالم الإخراج السينمائي الذي استهواه برغم إحباطات الأصدقاء والمحيطين به، فاشترى الكتب التي تدرسها الجامعات الأمريكية وقرأها، وعلى الرغم من معارضة والده دراسة الإخراج، فإنه شجعه على تحقيق حلمه، عندما رأى إصراره على تنفيذه. كان والده مربياً فاضلاً، علمه أن الدين الإسلامي دين الرحمة والعدل والمساواة، وعند سلم الطائرة، قدم له مئتي دولار، ونسخة من القرآن الكريم ليكون هادياً له في وحدته وغربته.

من فيلم «الرسالة»انتقل العقاد إلى أمريكا لدراسة فنون السينما والإخراج في العام (1954م)، فدرس الفنون المسرحية في (جامعة لوس أنجلوس) في كاليفورنيا، وتخرج في الجامعة نفسها في العام (1958م) بتفوق؛ ولايزال اسمه يتصدر قائمة المتميزين في هذه الجامعة. وفي أثناء دراسته أعدّ فيلماً عن (قصر الحمراء) نال عنه الجائزة الأولى في الجامعة، ثم أكمل دراساته العليا فحصل على درجة الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا، وبعد تخرجه في الجامعة عمل مساعداً للمخرج والمنتج الأمريكي (ألفرد هيتشكوك)، حيث تدرب على يديه ونال خبرة كبيرة من خلال عمله معه. واستطاع العقاد في العام (1962م) أن يطرق أبواب هوليوود بموهبته الفذة وطاقاته الإبداعية العالية محافظاً على انتمائه العربي والإسلامي، فقد رفض تغيير اسمه حفاظاً على هويته العربية.

بدأ العقاد مسيرته الاحترافية من محطة (إن. بي. سي) الأمريكية، بإعداد وإنتاج برامج تلفزيونية، هي عبارة عن سيرة ذاتية تتحدث عن مختلف الجماعات العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف تؤثر خلفياتهم الثقافية في تفاصيل حياتهم اليومية، وكون شركة (العقاد للإنتاج الدولي) التي تخصصت في الأفلام الوثائقية، وأتاح له نجاح فيلمه (قيصر العالم) الذي عرض في جميع أنحاء الولايات المتحدة فتح مكاتب لشركته في بيروت ولندن وهوليوود.

كان فيلم الرسالة (1976م)، وهو من بطولة أنتوني كوين وإيرين باباس، أول أعمال مصطفى العقاد المميزة التي لاقت نجاحاً عالمياً كبيراً والتي فتحت له أبواب العالمية، حيث قام بإخراج وإنتاج نسختيه الإنجليزية والعربية، ويحكي الفيلم عن السنوات الأولى للإسلام وقصة البعثة المحمدية والهجرة التي تمت من مكة إلى المدينة المنورة، ونشأة أول دولة إسلامية، ويهدف فيلم (الرسالة) إلى تعريف الغرب بحقيقة الإسلام، وبأنه دين السلام والمحبة والتعايش. كانت النسخة العربية من بطولة الفنان عبدالله غيث، والنسخة الإنجليزية من بطولة الممثل العالمي أنطوني كوين، وعندما سئل العقاد عن رؤيته في فيلم الرسالة قال: (لقد شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب، بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام في العالم).

من فيلم «عمر المختار»أنتج العقاد (13) فيلماً أجنبياً أخرج ثلاثة منها، ولعل سلسلة أفلام الرعب (الهالويين) أشهرها، والتي تم إنتاج ثمانية أجزاء بين أعوام (1978م- 2002م)، إضافة إلى فيلم الرعب (موعد مع الخوف) والذي أنتجه في العام (1985م)، والفيلم الكوميدي (توصيلة مجانية) في العام (1986م). يقول العقاد عن سبب إخراجه لأفلام الرعب بأنه كان لتوفير الدعم المادي لفيلم (الرسالة)، إضافة إلى ميل المجتمع الغربي لمشاهدة أفلام الرعب التي هي جزء من ثقافته الشعبية. وفي العام (1981م)، أخرج العقاد فيلم (أسد الصحراء) من بطولة أنتوني كوين، ويحكي الفيلم قصة قائد الثورة الليبية عمر المختار والمعارك التي خاضها ضد المستعمر الإيطالي، وبعد ذلك عمل في شبكة لإعداد أفلام بعنوان (كيف يرانا العالم؟)، جاب خلال تصويرها مناطق عديدة في العالم، وهذا ما أكسبه معرفة بالثقافات المختلفة والمتنوعة. كان المخرج العالمي مصطفى العقاد يحضّر لعمل فيلمين سينمائيين؛ أولهما يتحدث عن فتح الأندلس والآخر عن صلاح الدين الأيوبي، ففي عام (1995م)، قرر أن يقوم بإنتاج فيلم يتحدث عن قصة صلاح الدين، وهو القائد المسلم الذي حارب الصليبيين، إلا أنه لم يستطع إيجاد التمويل الكافي لإنتاج هذا العمل، فقد كان يحلم بإنشاء مدينة للإنتاج السينمائي على مستوى الإنتاج العالمي ولكن بروح عربية إسلامية.

مصطفى العقاد مع أنتوني كوين و عبدالله غيثنال مصطفى العقاد جوائز كثيرة، في عدد من المهرجانات السينمائية العربية والدولية، كما نال أوسمة عديدة من زعماء عرب وأجانب، وكرمه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، وكان من المفترض أن يكرم في مهرجان دمشق السينمائي، لكن وفاته حالت دون ذلك، ومع ذلك فقد منحته الحكومة السورية وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، تقديراً لمواقفه القومية والوطنية.. وشاءت الأقدار أن يرحل مصطفى العقاد مخرج أفلام الرعب (هالويين) في حادث رعب حقيقي هذه المرة، في تفجير إرهابي (2005م) مع ابنته، ووري جثمانه الثرى في مدينته حلب التي أحبها ولطالما تغنى بها في موكب رسمي وشعبي، تاركاً خلفه كنزاً فنياً خالداً ونجاحاً عالمياً بنكهة عربية، ما جعله يدخل هوليوود من أوسع أبوابها، مات وفي قلبه رسالة إنسانية جابت الكون كله محبة وسلاماً وإخاء.. وبصمة فنية خالدة.