نافذة الثقافة العربية

متخصص في كتابة الرواية القصيرة

محمد سعيد احجيوج: كتابة «النوفيلا» أصعب من الرواية الطويلة

الكاتب : ياسين عدنان

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد الخمسون Dec, 01 2020
كاتب روايات قصيرة. بدأ قاصّاً قبل أن يتخصص في (النوفيلا). محمد سعيد احجيوج كاتب مغربي من مدينة طنجة، تُوّج بجائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة في دورتها الأولى، وراكم عدداً من العناوين في جنس الرواية القصيرة. عن القصة والرواية وخصوصية (النوفيلا) يدور هذا الحوار.

 من مؤلفاته

¯ النوفيلا جنس سردي قائم الذات، في منزلة بين القصة والرواية، هل يمكننا اعتبار كاتب النوفيلا قاصاً أم روائياً؟

- أعتقد أننا لا نحتاج إلى هذا التصنيف. المدرسة الأوروبية تميز النوفيلا عن الرواية ببعض العناصر الأسلوبية، مثل التركيز على شخصية رئيسية واحدة؛ وحدة الصوت؛ محدودية المساحة الزمكانية؛ إلخ. أما المدرسة الأمريكية فتكاد تحصر الفرق في عدد الكلمات، فتكون النوفيلا هي رواية قصيرة حجماً، وهو تصنيف تجاري أكثر من أن يكون إبداعياً. لكن بالنسبة لي، تبقى النوفيلا أقرب إلى الرواية، إن لم تكن فعلاً رواية.

 

¯ إذاً، تعتبر نفسك روائياً بالأساس؟

- مجموعتي القصصية الثانية (انتحار مُرجَأ) صدرت على شكل كتابين في واحد. تمسكه من جهة تجده مجموعة قصصية، وتديره فتجده على الغلاف الآخر قد صار رواية: هي القصص نفسها محبوكة في خيط واحد على شكل رواية. هكذا نعيد اكتشاف نفس النصوص تارة عبر الحبكة الروائية وتارة عبر سرد قصصي.

 

¯ اشتهرت لك حتى الآن ثلاث روايات قصيرة: (كافكا في طنجة)، (أحجية إدمون عمران المالح)، إضافة إلى (ليل طنجة). يعني هذا الحجم يناسبك؟

- أحب قراءة الروايات المحبوكة بإحكام، ونادراً ما تكون الروايات الضخمة كذلك. لذلك، وأنا أكتب، سيكون من البديهي أن أكتب الرواية المثلى التي أحب قراءتها، والرواية القصيرة هي ما أحب. لكنني لا أفكر في الحجم وأنا أكتب، أكره الحشو والتفاصيل المملة التي لا تخدم النص مباشرة، لذلك تأتي نصوصي تلقائياً قصيرة. لكن هذا لا يمنع من أن أكتب يوماً رواية طويلة، إذا تطلب الموضوع ذلك.

من مؤلفاته

¯ فازت (ليل طنجة) بجائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة، التي تشرف عليها دار العين المصرية... ما دلالة أن تصير لنا في العالم العربي اليوم جائزة للنوفيلا؟

- لو جلسنا نسطر قائمة أروع الروايات العالمية، لوجدنا عدداً غير هيّن منها ينتمي تقنيا إلى تصنيف النوفيلا. مثلا: (العجوز والبحر)، (التحوّل)، (الغريب)، (الأمير الصغير)، (ليس لدى الكولونيل من يكاتبه)، (مزرعة الحيوان).. عربياً، كل روايات محمد البساطي والطيب صالح وغسان كنفاني، هي روايات قصيرة. وحتى الكُتاب الرّوس أصحاب الأعمال الضخمة كتبوا الرواية القصيرة وكانت روايات ممتازة: (قلب كلب) لميخائيل بولغاكوف، (موت إيفان إيليتش) لتولستوي، و(مذكرات قبو) لدوستويفسكي.

 

¯ مع ذلك، تعاني النوفيلا تهميشاً كبيراً؟

- هذا صحيح، فعربياً مثلاً يصعب أن تجد ناشراً يقبل بنشر رواية عربية قصيرة، رغم تلهُّف هؤلاء الناشرين على طبع الروايات القصيرة المترجمة. الطريف أن الناشر الأمريكي بدوره لا يميل إلى النوفيلا الأمريكية، لكنه لا يمانع من نشر النوفيلات الأوروبية المترجمة.

لذا فالجائزة التي أنشأتها دار العين هي مبادرة تستحقُّ التنويه. ما يجب أن ندركه أن الحجم ليس كل شيء، نحتاج إلى أن تقبل الجوائز الأخرى بتصنيف النوفيلا، أو تظهر جوائز أخرى مخصّصة لها. شخصيا يحبطني أن أجد ضمن شروط الجوائز العربية شرطاً، يقول ألا تقل عدد كلمات الرواية عن (25) ألف كلمة. والمحبط أكثر أن جائزة إسماعيل فهد إسماعيل للرواية القصيرة ألغيت هذه السنة، ويبدو أنها لن تعود مجدداً.

من مؤلفاته

¯ إذا لم تعد، فسيكون ذلك مؤسفاً فعلاً، وربّما سيعمّق لديكم الإحساس بأن الروايات القصيرة مقصية، خصوصاً في الجوائز العربية حيث نحس كما لو أن هناك ميلاً إلى الروايات الضخمة... ما رأيك؟ طبعا باستثناء (بريد الليل) لهدى بركات الفائزة بالبوكر العربية قبل سنتين؟

- هذا أمر مؤسف بحق. لا أعرف إن كانت الروايات القصيرة مقصية من الجوائز بإرادة مسبقة، أم هو مجرد إحساس عام. هناك على الجانب الآخر من يقول، إن الروايات الطويلة لا تنال حظها في التتويج أيضاً، في البوكر العربية تُوِّجت (موت صغير) وهي رواية طويلة، كما توجت (بريد الليل) ولعلّها أقصر رواية دخلت قوائم الجائزة. وبصراحة، فاستدعاء الرواية من طرف لجنة التحكيم كان شجاعة حقيقية.

والمشكل برأيي في الكُتّاب الذين تكون لديهم روايات قصيرة جيدة، لكن بدافع الرغبة في زيادة حظوظها في التّنافس على الجوائز، ينفخون فيها إطنابا يفسدها ويحولها إلى نص مهلهل مليء بالحشو، وبرأيي أنّ كتابة الرواية القصيرة، أصعب بكثير من كتابة الرواية الطويلة؛ لأن الأولى تعتمد على الحذف، والحذف أمرٌ لا يقدر عليه أي كاتب، يحتاج الكاتب إلى نضج كبير ليقبل بأن يحذف من نصه أكوام الشحوم.

 

¯ أول عمل أقرؤه لك كان مجموعة قصصية مشتركة لك مع الأديب عبدالواحد استيتو، تحت عنوان (أشياء تحدث). ما معنى أن يصدر أديبان مجموعة مشتركة؟ وهل يمكنك معاودة هذه التجربة؟

- نعم أريد تكرار التجربة، مستقبلاً. أريد كتابة نص روائي مشترك مع كاتب آخر، طالما أن الرواية الناتجة ستكون أفضل من مجموع الروايتين المنفصلتين، لكن هذا الأمر يتطلب نضجاً كبيراً، على مستوى الحرفة كما على المستوى النفسي، حتى يتمكن الأديبان من تجاوز مطبّات الطريق معاً.

أما تجربتي مع الصديق عبد الواحد استيتو، فكانت تحايُلاً على تكلفة الطباعة ليس إلا. حين التقينا كان لكل منا مجموعة من القصص القصيرة، ولم يكن أمامنا من فرصة غير الطبع على نفقة المؤلف. لذا قررنا أن نطبع قصصنا في كتاب واحد ونقتسم تكلفة الطباعة. لكننا اكتشفنا مباشرة، أن عملية الطباعة هي أسهل ما في النشر، العقبة الحقيقية تبقى في التوزيع، في إيصال الكتاب إلى القارئ وهذه العقبة ما زالت من أكبر معضلات النشر العربي.

يتسلم إحدى الجوائز

¯ روايتك الأخيرة (أحجية إدمون عمران المالح) الصادرة في بيروت أخيراً تستعيد حكاية الكاتب المغربي إدمون عمران المالح. لماذا إدمون بالذات؟ خصوصاً وأنه لم تكن لك أية معرفة سابقة به؟

- ربما غياب سابق معرفة لي بالأديب إدمون عمران المالح كان نقطة إيجابية، لأنه خفف عني ثقل الاختيار بين ما يمكن الكتابة عنه وما لا يمكن البوح به. أردت تسليط الضوء على كاتبنا المغبون حقه لكني لم أنْوِ كتابة سيرته. لماذا إدمون بالذات؟ لم يكن الأمر اختياراً واعياً محكوماً بالقلم والمسطرة. فالكتابة عندي عملية حدسية بالأساس، دون وزن كبير للتخطيط المسبق. لكن لو أردتُ الحكم بأثر رجعي، سأقول بأن شخصية (إدمون) تتوافر على العناصر المطلوبة لهذه الرواية: كاتب وصحافي نفى نفسه إلى فرنسا، وكانت له صدامات مع ناشرين فرنسيين، عانى التهميش بسبب مواقفه السياسية... إلخ.

ومنذ قرأت عن التهميش الذي عاناه، وأنا أفكر أن إدمون بحاجة إلى إلقاء الضوء عليه. وحين قررت أن يكون بطل روايتي مغربياً يهاجر ويجد أن الظروف غير مناسبة فينتقل إلى فرنسا، خطر اسم إدمون في ذهني مباشرة، فوجدتها مناسبة للاحتفاء بهذا الأديب المغربي الكبير.

 

¯ طرحت في الرواية قضية الجوائز الأدبية. روايتك تتحدث عن الجوائز الفرنسية ولجانها لأن (إدمون) كان يكتب بالفرنسية، لكنك أيضاً عرّضْتَ بالجوائز العربية. قرِّبنا من موقفك المشاكس؟ مع أنه لا يبدو أن لديك موقفاً عدمياً من الجوائز؟

- بالتأكيد موقفي ليس عدمياً من الجوائز. النقطة التي تقصدها عن تعرُّضي للجوائز، هي تعليق على مستوى الرواية العربية أكثر مما هو تعليق على الجوائز العربية.

أتذكر أيام الاستمتاع بقراءة الروايات الجديدة، والزيارات الدورية للمكتبات لمعرفة الجديد. قراءة أخبار الإصدارات في الصحف والمراجعات النقدية في المجلات، والإعارات الدائمة للكتب بين المجتمعين في المقاهي، كان هذا قبل ظهور الجائزة العالمية للرواية العربية، ويبدو كأن هذا كان منذ عصور خلت.

كانت الرواية آنذاك لاتزال مصونة، لا يقربها إلا من هو أهلٌ لها. جوائز الرواية التي كانت تمنح آنذاك، كانت محدودة القيمة المادية. قيمتها الرمزية كانت أكبر من أي مبلغ تقدمه للكاتب، وما كانت الجوائز آنذاك تغري المتطفلين على اقتحام حلبة الكتابة، ولا كانت تغري بعض الكتاب على الإفراط في الإنتاج لتغطية كل الجوائز المتاحة.

لكن حين أقول، إن جوائز الرواية عادت بمستوى الرواية إلى الوراء، هذا لا يعني بالضرورة نقداً للجائزة في حد ذاتها، لأن الجوائز بطبيعتها نتاج لمجتمعنا ككل ولن تشرد عنه. من العبث أن نتوقع منها المستحيل، ولو أن الحماس يدفعني أحياناً إلى التعليق بامتعاض على نتائجها، لأني أصبو إلى أن تكشف لنا تلك الجوائز عن أعمال عظيمة، لكنها نادراً ما تفعل.