نافذة الثقافة العربية

فيها وحّد «مينا» القطرين

سوهاج.. مدينة التاريخ والمواويل

الكاتب : عبدالعليم حريص

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد الواحد والخمسون Jan, 01 2021
سوهاج من أقدم مدن العالم، فهي حاضرة في كلّ صفحات وعصور التاريخ، بداية من الفرعوني، مروراً بالروماني واليوناني والقبطي والإسلامي، تنتشر فيها الأديرة القبطية، والمساجد التاريخية، في أغلب مدنها، ما يعكس التسامح بين الأديان، واحتواء كافة المعتقدات الدينية. تقع محافظة سوهاج إحدى أهم الأقاليم المصرية، في منتصف المسافة بين القاهرة وأسوان تقريباً، ولها تاريخ حافل بالإنجازات، فيكفي أن خرج منها مينا (نارمر – مينا) موحد القطرين الشمالي والجنوبي، بمصر القديمة.

 

ويرجع المؤرخون سبب تسمية سوهاج، وأغلب مراكزها لأسماء فرعونية، كما هو الحال في أخميم وجرجا والبلينا، وتشتهر سوهاج بعدة أسماء منها: عروس النيل، وبلد المواويل، وعاصمة الأساطير نسبة إلى الأسطورة الفرعونية الخالدة (إيزيس وأوزوريس)، وتتكون المحافظة من (12) مركزاً، تضم (12) مدينة، و(3) أحياء، و(51) قرية رئيسية، و (270) قرية تابعة، إضافة إلى (1445) عزبة ونجعاً، كما شهدت سوهاج أحداثاً تاريخية مهمة، بداية من عصور ما قبل التاريخ، إذ استوطن فيها المصري القديم، وأسس فيها حضارة في منطقة (أم العقاب) بمقابر للأسرتين الأولى والثانية، إضافة إلى مركز عبادة أوزوريس، وكونها عاصمة لمصر، بعد توحيد مينا للقطرين.

المنشاويتحتفل سوهاج بعيدها الوطني في العاشر من أبريل من كل عام، وذلك تخليداً للدور البطولي الذي قام به أهالي (جهينة) إحدى أبرز مدن سوهاج الشمالية، حيث تصدوا للحملة الفرنسية بكل بسالة ونضال، وتراجعت الحملة ولم تستكمل طريقها للجنوب، وهذه تعتبر من أهم المحطات التاريخية في المحافظة، ويقال إن اسم (جهينة) نسبة إلى قبيلة جهينة العربية، التي نزلت مصر في العصر الإسلامي، مع جيش الراية بقيادة عمرو بن العاص، وانتشرت في أغلب محافظات مصر وفي شمالي إفريقيا.

على الجانب الشرقي من النيل تقع أخميم، أهم مدن سوهاج التي عاش فيها الملكان( يويا وتويا) والدا الملكة (تي)، زوجة الملك العظيم أمنحتب الثالث ووالدة إخناتون، (أول من نادى بالتوحيد)، وأخميم كانت عاصمة للإقليم التاسع بمصر القديمة، وتعد مدينة أخميم من أهم المدن التاريخية في العصر القديم والحديث، وإليها ينسب المتصوف (ذو النون المصري) أحد أهم علماء المصريين في القرن الثالث الهجري، وتشتهر بصناعة المنسوجات اليدوية، حتى أطلق عليها لقب مانشستر ما قبل التاريخ، نسبة إلى مانشستر البريطانية المعروفة بالمنسوجات.

أما مديرية جرجا (أو ولاية جرجا في العصر العثماني) فتقع في المنتصف بين القاهرة وأسوان، وهي العاصمة لمديرية سوهاج حتى عام (1960م)، ومن ثم تمّ نقل المديرية إلى سوهاج، والتي تحول الاسم من مديرية إلى محافظة لاحقاً، وعرفت (جرجا) ببلد العلم والعلماء، والسبب في ذلك أنه في العام (1780م) جاء إليها الشيخ جلال الدين السيوطي، وأنشأ بها المعهد العلمي الديني، والذي مازال موجوداً بها حتى الآن، كما تعرف بنشاطها التجاري الكبير.

حمدي أحمدوتعتبر مدينة (البلينا) من أقدم مدن مصر، ولها تاريخ عريق، وسميت بعدة أسماء تغيرت على مر العصور، وكانت تسمى أيام الفراعنة (تبلور)، ثم حرف الاسم في العصر الروماني إلى (تيبوران)، كما ذكر ذلك عدد من المؤرخين، ثم تغير اسمها في العصر الإسلامي إلى اسمها الحالي (البلينا)، كما وردت بهذا الاسم في كتاب الإدريسي (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق)، وبقيت على هذا الاسم الى يومنا هذا، كما ذكرها المؤرخ ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان) باسم (بلينا)، وذكرها علي مبارك باشا في الخطط التوفيقة باسم (بليني).

وكان حتى وقت قريب يطلق على (أبيدوس) قرية العرابة المدفونة؛ لأن آثارها مدفونة تحت الرمال، وتم تغيير الاسم إلى اسمها الحقيقي، وهو أبيدوس، والتي تعد من القرى الأشهر والأعرق في المحافظة، وفي مصر، حيث كانت (أبيدوس) عاصمة لمصر فى عصور الأسر الأربع الأولى للملك (مينا) موحد القطرين؛ فتوحيد مصر بدأ من البلينا، وكانت أبيدوس أهم المدن، عندما كانت مصر إمبراطورية تمتد من بلاد الرافدين حتى المغرب، وانتهاء بمنابع النيل في وسط إفريقيا.

جمال الغيطانيارتبط اسم سوهاج ببلد المواويل، ولهذا الارتباط جذور تاريخية، فقد عرف أبناء المحافظة الموال من أول نائحة في التاريخ، وهي إيزيس عندما رثت أوزوريس، ويقول أحمد الليثى، كبير باحثي أطلس الفولكلور المصري: تعرف سوهاج منذ عصر الفراعنة الأوائل طقوس الموت، وتستقبلها بالموال منذ إيزيس أول نائحة فى التاريخ والتي ندبت زوجها أوزوريس، الذي يوجد جثمانه فى مقبرة بالعرابة المدفونة ومعبده الشهير بأبيدوس (سيتي الأول)، تلك البقعة المقدسة التي كان يحج إليها الموتى الفراعنة للحساب عند أوزوريس.

وتوارث السوهاجيون ينابيع الحزن والأسى منذ هذه القصة الخالدة، التي تغلغلت فى ضمير الشعب المصري، وخاصة أبناء سوهاج، لذلك كان الموال (الأحمر) الذي يعالج مشاعر الحزن والأسى والمرض والعلل، وكذلك الموال (الأخضر) في الحب والعشق، وهناك الموال (المربع، والمخمس، والمسبع، وأكثر من ذلك). وارتبطت المواويل والغناء منذ قديم الزمن بأبناء المحافظة، فنجد في موسم الحصاد يتبارى الفلاحون والعمال في ترديد الأغاني والمواويل؛ ليمر عليهم يومهم دون أن يشعروا بمشقة، كما أن أبناء المحافظة يرددون مواويل في موسم الحج والأفراح، وحتى الجنائز لها طقوس خاصة لدى النساء، ولذلك أطلق على المحافظة بلد المواويل.

وعرفت سوهاج من عمق الموال السيرة الهلالية وأبدع المحترفون فيها والهواة في سيرة بني هلال على نمط فن المربع، وكان من رواتها وروادها: جابر أبو حسين، والقليعي، وعبدالباسط نوح، وعزالدين نصرالدين، وسيد الضوي... وهم أبناء سوهاج.

محمد عبد المطلبومن أبرز الفنون الشعبية المنتشرة في سوهاج لعبة التحطيب (العصا) وهي اللعب بالعصا للمنافسة، وتسمى (لعبة الرجال)، وهي اللعبة التراثية الأكثر شهرة وانتشاراً في كافة احتفالات الأهالي في سوهاج وجنوب مصر، وتدل على الشجاعة والدفاع عن النفس، كما يؤكد الباحثون أنها من الموروثات الفرعونية، التي سجّلها المصري القديم على جدران المعابد، وقد اعتمدتها هيئة اليونسكو العالمية في العام (2016م)، كتراث عالمي غير مادي. وتُلعب في المناسبات القومية والتاريخية والدينية، وشم النسيم، ووفاء النيل، وتشتهر في الأفراح وتقام لها عدة مهرجانات.

وتوجد بسوهاج الجامعة التي بدأت في العام (1971م) بكلية التربية، ومن ثم استقلت عن جامعة أسيوط، وجامعة جنوب الوادي بقنا في العام (2006م)، إلى جانب عدد من كليات الأزهر الشريف، والجامعات الخاصة، والمشاريع الصناعية الكبرى، كما هو الحال في حي الكوثر، وسوهاج الجديدة، والكوامل وغيرها من المدن التجارية والصناعية، التي تنتشر في أرجاء المحافظة، وكذلك الأسواق القديمة (القيسارية)، والمسرح الروماني بسوهاج، وجزيرة الزهور، ومتحف سوهاج القومي، والجامع الصيني، ومسجد الأمير حسن، والآثار القبطية كالدير الأبيض، والدير الأحمر.

وتشهد سوهاج حركة أدبية ومسرحية وثقافية كبرى، والمتمثلة في قصور الثقافة، المنتشرة في أغلب مدن المحافظة، والتي قدمت للحركة الأدبية المصرية والعربية الكثير من الأسماء في شتى صنوف الأدب، إلى جانب فرقة سوهاج للفنون الشعبية، التي تشارك في الكثير من المهرجانات الأدبية، داخل مصر وخارجها.

ويضيق المقام عن ذكر أعلام محافظة سوهاج، ومنهم على سبيل الاستدلال: المفكر رفاعة رافع الطهطاوي، من طهطا، والشيخ مصطفى المراغي، شيخ الأزهر، والشيح محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر، والشيخ محمد صديق المنشاوي، وأخوه محمود من قراء القرآن الكريم المشاهير، وسامح عاشور، نقيب المحامين السابق، وفي مجال الأدب قدمت جمال الغيطاني، وعبدالعال الحمامصي، والشاعر محمد عبدالمطلب، والمخرج عاطف الطيب، والفنان جورج سيدهم، وحمدي أحمد، ونادية لطفي، والموسيقار بليغ حمدي، ومحمد عبدالحميد رضوان وزير الثقافة السابق، وحشمت أبوستيت، الخبير الدستوري والقانوني المعروف، والدكتور عزالدين عمر أبوستيت، وزير الزراعة السابق.