نافذة الثقافة العربية

طرح مفهوماً جمالياً مغايراً

السيد حافظ.. موسوعة ثقافية مبدعة

الكاتب : سعيد ياسين

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد التسعون Apr, 01 2024
احتفل الكاتب والروائي والمؤلف السيد حافظ، بعيد ميلاده الماسي (75 عاماً). وفي زيارتي له هنأته، ودعوت له بأن يبقى بيننا حتى نحتفل بمئة وخمسين عاماً على مولده، فقال إنه يتمنى أن يعيش حتى يكمل (82) عاماً فقط، لأن لديه عدداً من الكتب والروايات والقصص الأدبية، تحتاج إلى سبع سنوات للانتهاء منها، فداعبته مؤكداً أنه سيعيش مئات السنين بأعماله وإبداعاته وأثره الطيب.

 

 السيد حافظ.. إنسان راقٍ وصادق وممتلئ، ومتواضع تواضع العظماء، ومبدع استثنائي وقدير، ولو كنا ندرك قيمة وقامة المبدعين الحقيقيين، لوضعته في أعلى وأرفع مكانة ثقافية وأدبية يستحقها، وظلت تفتخر به طويلاً مثلما يفتخر ويعتز به كل المبدعين في كل الدول العربية. وهو موسوعة ثقافية تسير على قدمين، ومدرسة إبداعية ينهل منها القاصي والداني في كل الأقطار العربية.. المثقفون الحقيقيون في مصر يعرفون قدره حق المعرفة، ومن نهر إبداعه الذي ظهر منه فقط (120) كتاباً، و(200) مسرحية، و(29) رواية، وثلاث مجموعات قصصية، و(150) ساعة دراما تلفزيونية، و(15) ساعة عمل إذاعي، وقدمت أعماله في الكويت والعراق وتونس والجزائر وقطر والإمارات، كما قدمت أكثر من (70) رسالة ماجستير ودكتوراه عن أعماله.

تعرفت إليه عام (2001م)، حين كان يصور له مسلسل (عصفور تحت المطر)، الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار وأخرجه محمود بكري، وقام ببطولته أحمد عبدالعزيز، وتيسير فهمي، وأحمد ماهر، وسيد عبدالكريم، وتهاني راشد، وغسان مطر، وعزة بهاء، وآخرون.. وبرغم أن قصة المسلسل بدت وكأنها اجتماعية وإنسانية، فقد كانت بمثابة وثيقة تاريخية مهمة، حيث تناولت أحداثها رحلة شاب يحضر إلى القاهرة طلباً للعلم، ويلتحق بكلية الآداب، ويسكن فوق سطح منزل في حي السيدة زينب، ثم يرتبط بقصة حب مع فتاة جارته، هي ابنة الباشكاتب، الذي يعمل لدى أحد الباشوات، وبرغم أن ابن الباشا يحب الفتاة، فإنها تفضل عليه الشاب البسيط والفقير، الذي يقبض عليه لاحقاً. وقد قدم السيد حافظ قبل هذا العمل، مجموعة من المسلسلات والتمثيليات الناجحة، ومنها: (العطاء، والحصاد المر، وصغيرات على الحياة، وصدى الأيام، ومنين أجيب ناس، وأنا وبناتي في الزحام، وهمام وبنت السلطان).

أجريت معه وقتها حواراً مطولاً، نشر في صحيفة (الحياة) اللندنية، وكنت أرتبط في هذه الفترة بعلاقة طيبة بأغلبية مؤلفي الدراما والسينما في مصر، لإيماني بأن المؤلف يأتي في المرتبة الأولى دائماً، ويجب أن يكون هكذا، برغم كل المتغيرات والأسباب، التي طالت العملية الإنتاجية الفنية فيما بعد، وجعلت بسبب الإعلانات والتسويق، النجم يأتي أولاً وأخيراً.

بقيت على تواصل معه، وذهبت إليه أكثر من مرة في مكتبه في المطبعة، في شارع فيصل في محافظة الجيزة، ثم فوجئت عام (2005م) بأنه خارج مصر، يتولى إدارة تحرير مجلة (الشاشة) في دبي، وعرفت من أحد الأصدقاء المشتركين أنه بخير، ويستكتب في المجلة أغلبية  فناني ومبدعي مصر والوطن العربي، من أمثال المؤلفين والمخرجين: محفوظ عبدالرحمن، وأسامة أنور عكاشة، وحاتم علي، ونجدت أنزور، وعادل الأعصر، ومصطفى محرم، ومجدي صابر.. والشعراء والأدباء: عبدالرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وإبراهيم عبدالمجيد، وأحمد فؤاد نجم.. ومن الفنانين: نور الشريف، ومحمود ياسين، وأحمد السقا، وهاني رمزي، ووفاء سالم.. ثم عاد بعد ذلك للاستقرار في مصر، واعتقدت أنه أقام في مسقط رأسه في الإسكندرية.

قبل عامين اتصلت به للحصول على رأيه في تحقيق صحافي، وفوجئت أنه يقيم في القاهرة، والتقيته على الفور، وفوجئت بأنه يعاني بعض المشاكل الصحية، وفي مقدمتها هشاشة العظام، وأنه يحتاج إلى عملية جراحية لتركيب مفصل في ركبته اليسرى، وخضت معه رحلة طويلة بين الأطباء، ومراكز الأشعة ومعامل التحاليل، ومراكز التأهيل الطبي والعلاج الطبيعي.

لمست عن قرب مدى حبه وعشقه وامتنانه لكل من التقينا بهم من البشر، مقابل احترام وتقدير كبير يناله من جيرانه والمحيطين به، ومن أطبائه والقائمين على علاجه، وأيضاً من زملائه وتلاميذه من المبدعين العرب، الذين كانوا يخصصون ويستقطعون وقتاً من زياراتهم للقاهرة، للذهاب إليه في منزله والاطمئنان إليه، برغم الألم الشديد الذي كان يشعر به، وتواضع مفرط يعيشه بصدق وتلقائية مع حارس عقاره، وحلاقه الخاص، وعمال المقهى والأسانسيرات، وسائقي سيارات الأجرة، وكل من يقابلهم من البسطاء. 

وفي موازاة ذلك، اكتشفت من خلال قراءاتي لما تيسر لي من أعماله، أنه قاد ثورة إبداعية في الرواية والقصة، وفي المسرح، وطرح مفهوماً جمالياً مغايراً للوجود والإنسان، وأن أسلوبه السردي يتميز بشاعرية اللغة، وسحر التفاصيل، ودفع الصياغات، وأن عالمه القصصي شديد الوهج والإيقاع، واستمتعت مجدداً بقراءة رواياته: (ليالي دبي، وقهوة سادة، ونسيت أحلامي في باريس، وكابتشينو، وكل من عليها خان، وحتى يطمئن قلبي، وكل هذا الحب، والحاكم بأمر الله وشمس) واكتشفت أنه رائد المسرح التجريبي في مصر والوطن العربي، حيث كتب العشرات من المسرحيات القصيرة جداً جداً، والقصيرة جداً، والقصيرة، منذ عام (1968م)، حتى عام (2016م)، أي على امتداد (48) عاماً، وجاءت مكتملة الأبعاد واضحة المعالم والشخصيات، وعبرت عن ملامح تجريبية مدهشة، تبعث وجوداً ملوناً بالسحر والخيال، وتقاطعات الواقع والأحلام، وأهداها لكل التجريبيين في الوطن العربي، الذين يعيشون واقعاً صعباً. 

وفي تعليقه على عيد ميلاده الخامس والسبعين وأمنياته، قال لـ(الشارقة الثقافية): إن المشاركين العرب في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في دورته التي أقيمت أخيراً، حضروا للاحتفاء به في منزله، وأنه كان يتمنى أن تنتبه إدارة المهرجان إلى تجربته الرائدة في المسرح التجريبي، ولو من خلال ندوة يقدم فيها تجربته للأجيال الشابة، كما كان يتمنى أن تحتفي بعيد ميلاده الماسي المجلات الثقافية، أو الصفحات الثقافية في الصحف والمواقع القومية والخاصة، وتخصص ملفاً كاملاً عن أعماله الروائية أو المسرحية، أو مجموعاته القصصية الثلاث، والتي كتب عنها باستفاضة أكثر من (35) ناقداً، من مختلف أنحاء الوطن العربي، من المغرب والجزائر وتونس وفلسطين وسوريا والعراق، وأضاف: (للأسف كل هؤلاء تجاهلوني كأن شيئاً لم يحدث، وأنا أتوقع أن يكتبوا عني بعد موتي صفحات، كما فعلوا من قبل مع عشرات المبدعين بعد رحيلهم، ومنهم حافظ إبراهيم، ومحمود دياب، ونجيب سرور، وآخرون).

العم الجميل النبيل السيد حافظ.. أنت إنسان ثري بكل محاسن البشر، ومتدفق بأحلى وأغلى المعاني والأفكار في موسوعة الإبداع العربي، وتحتاج إلى مجلدات وكلمات كثيرة وكبيرة ومثيرة فى معناها، غزيرة فى مغزاها، لتفيك حقك، امضِ في طريق إبداعك وعطائك قدماً، وواصل رحلتك.. أنت صاحب أفضال كثيرة، وأيادٍ بيضاء لا تعد ولا تحصى، على كثير من أبناء المهنة، من مؤلفين ومخرجين وممثلين وصحافيين وكتاب، ومنهم أسماء كثيرة شهيرة الآن.