نافذة الثقافة العربية

قدمت نفسها لكل العرب

"إبراهيم المليفي: مجلة "العربي" الكويتية انطلقت بشعار "اعرف وطنك أيها العربي

الكاتب : عبدالعليم حريص

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد السادس والثلاثون Oct, 01 2019

تتميز مجلة (العربي) الكويتية بخصوصية لدى كافة القراء العرب، فهي التجربة الأولى التي خرجت من شبه الجزيرة العربية متكاملة، لتنير الوطن العربي قاطبة، بفكرها وكتّابها، ورسخت لفكرة القومية العربية (التي كانت لاتزال في طور التكوين)، فكانت لمجلة (العربي) الريادة منذ انطلاقها في الأول من ديسمبر عام (1958)، وحتى اليوم مازالت تحمل مشاعل عروبية، وتتحلى بأقلام أثرت في فكر وتوجه أغلب المجتمعات، التي تنظر للأمة العربية بعين أكثر تفاؤلاً، هكذا كانت ولاتزال (العربي) تذود عن مثقفيها وقرائها بكل عزيمة في معادلة الإبداع والتلقي.

المليفي مع حبيب الصايغ

وفي لقاء مع مجلة (الشارقة الثقافية) أكد مدير تحرير مجلة (العربي) الكويتية إبراهيم المليفي أن (العربي) أتت في مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ الوطن العربي، محتضنة أهم الكتاب والمفكرين وجالت باستطلاعاتها الباهرة لتعرف العرب بإخوتهم العرب تحت شعار مرحلي (اعرف وطنك أيها العربي).

وأوضح المليفي أن الثقافة مثل أي كائن حي تتأثر بالمتغيرات التي تدور حولها إيجاباً وسلباً، كما تلعب دوراً مؤثراً في إعادة تشكيلها وصياغة مفرداتها بما ينعكس مباشرة على الأفراد والمجتمعات، مضيفاً أن الثقافة مكلفة مادياً ومردوها لا يظهر بسرعة في المجتمع، ولكن نتائجها دائماً ما تكون مذهلة في صنع مجتمعات متحضرة.

ونوه خلال اللقاء إلى أن الوطن العربي مقبل على تحديات غير مسبوقة، ناجمة عن التغيرات العميقة في مراكز وأدوار القوى العالمية. مشدداً على أنه بدون دعم وتمويل سخي ستعاني جميع المجلات الثقافية، وهذا المصير حدث لكثير من المجلات قبل زمن النشر الإلكتروني.

 

¯ تقول العرب (ثقف الشيء) أي أعده وسواه، بمنظورك أما آن الأوان لأن تأخذ الثقافة دورها الريادي في ترسيخ الشخصية والهوية العربية، في ظل هذه المتغيرات التي تحيط بالوطن العربي، وما هي رؤيتكم الاستشرافية لما يخدم المشهد الثقافي العربي مستقبلياً؟

- الدور الفاعل للثقافة مرتبط بالدرجة الأولى بوجود الحرية والانفتاح على جميع الآراء والثقافات الأخرى، ويمكننا رصد التطور المتزايد في الأدوار التي تلعبها الدولة في الكثير من الدول العربية حيال إنشاء المؤسسات المعنية بالثقافة بمفهومها العام كعنوان كبير تندرج تحته الكثير من الحقول الإبداعية. الإشكالية الحقيقية هنا تكمن في عدة مسائل مركزية من بينها، النوع والانتشار وإدراك حقيقة أن المثقف لا يصنع بقرار رسمي، إلى جانب ربط الثقافة بالتنمية الشاملة لأية خطة. 

مع الدكتور أحمد أبوزيدوالمقصود مما سبق، أن الثقافة لا يمكنها حصر أدوارها في شكل واحد أو توجه معين، لأنه التنوع أمر مطلوب في خلق بيئة خصبة منفتحة على جميع الآراء والمدارس، الأمر الثاني، لا يمكن توقع تحقيق أي تطور على مستوى الوعي الجمعي والنشاط الثقافي محصور في المدن المركزية فقط، في حين تعاني القرى والبلدات الصغيرة ندرة في الفعاليات الثقافية والبنى التحتية للأنشطة، مثل المسارح والمراكز والمكتبات العامة وتوفر خدمات عصرية لا يمكن الاستغناء عنها مثل الإنترنت.

الأمر الثالث، وهو صناعة المثقف، هنا يجب أن يكون واضحاً أن دور الدولة محصور في الرعاية ودعم كل أشكال الإبداع الحقيقي الجاد؛ لأن الثقافة مكلفة مادياً ومردوها لا يظهر بسرعة في المجتمع، ولكن نتائجها على المدى الطويل دائماً ما تكون مذهلة في صنع مجتمعات متحضرة قوية ومتماسكة ومنفتحة.

والثقافة مثلها مثل أي كائن حي، تتأثر بالمتغيرات التي تدور من حولها، وتلعب دوراً ضاغطاً في إعادة تشكيلها وصياغة مفرداتها التي تنعكس بشكل مباشر على الأفراد والمجتمعات، وفي اعتقادي الشخصي أن الوطن العربي مقبل على تحديات غير مسبوقة ناجمة عن التغيرات العميقة في مراكز وأدوار القوى الفاعلة، عنوانها الرئيسي هو أن كل قوة عالمية وإقليمية لديها مشروع ورؤية شاملة لدورها على الساحة الدولية ولعل الصين خير مثال على ما أقوله، وفي المقابل نطرح سؤالنا الأهم؛ ألايزال العرب بعيدين عن صياغة مشروعهم الخاص، الذي يمكنهم من التموضع في مكان ما في خريطة المستقبل وحركة التاريخ، هذا الواقع لن يكون استيعابه والتكيف معه سهلاً، من دون وجود مشروع ثقافي موحد، وإن وجد فإنه يحتاج الى التفعيل الفوري.

 مع الدكتور خلدون النقيب في جامعة الكويت عام 1994¯ (العربي) الكويتية من أهم المجلات الثقافية المؤثرة، خاصة أنها لم تتوقف منذ انطلاقها ومستمرة حتى الآن، حدثنا عن هذا التميز ؟

- قصة هذا التميز يمكن تلخيصها في أن مجلة (العربي) أتت في مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ الوطن العربي، ويكفي أن أقول إن صدورها في ديسمبر (1958) حدث قبل استقلال دولة الكويت، كما أن بعض الدول العربية كانت لاتزال تحت الاحتلال مثل الجزائر، وفي أوج انتعاش فكر القومية العربية، دخلت (العربي) بمشروعها الثقافي المنفتح على جميع الدول العربية؛ لتقدم نفسها كمجلة كل العرب، وهدية من الكويت لكل عربي وقارئ للغة العربية. فقد احتضنت أهم الكتاب والمفكرين العرب، وجالت باستطلاعاتها الباهرة لتعرف العرب بإخوتهم العرب تحت عنوان مرحلي هو (اعرف وطنك أيها العربي)، الأمر الذي جعل القارئ العربي يشعر بأنها قريبة منه، وحتى الأطفال لم يخرجوا من حسابات العربي ولأجلهم صدر ملحق (العربي الصغير) الذي تطور ليصدر مجلة مستقلة موجهة لهذه الفئة العمرية. لقد كانت الكويت في حينها تشهد نهضة شاملة في جميع الميادين، وقد حظيت (العربي) بدعم ورعاية الحكومة الكويتية منذ نشأتها حتى هذا اليوم، من دون أن تتدخل في سياستها التحريرية، وطوال ستة عقود ابتعدت العربي عن السياسة بمفهومها الخلافي، ونأت بنفسها عن الإثارة بمفهومها السلبي في عالم الصحافة. وأخيراً لاتزال (العربي) تباع بسعر زهيد لا يثقل كاهل من يرغب باقتنائها.

¯ مرت (العربي) بمراحل بين التألق والخفوت... فما مرجع ذلك؟ هل هي أمور تحريرية أم أمور مادية؟

- الأمر يرجع بالدرجة الأولى إلى عامل ظهور مجلات كثيرة، منها ما يحاكي (العربي) في محتوياتها، ومنها ما يلبي حاجات القراء لمواضيع لا تتناولها (العربي)، كما أن التمويل لم يكن في يوم من الأيام يشكل أي مشكلة، والوضع السابق لم يؤثر في توزيع المجلة، الذي تجاوز ربع مليون نسخة، ولكن القراءة عموماً تأثرت مع دخول التلفزيون والإنترنت لاحقاً، الأمر الذي أوجد وسائل جديدة لاكتساب المعرفة.

¯ ما تعليقك على أن أميز المجلات الثقافية العربية الحالية تصدرها عواصم خليجية، وما ينتظر من «العربي» في الفترة القادمة ؟

- المجلات الثقافية العربية، خاصة التي تصدر في الخليج، تميزت بثراء محتوياتها وانفتاحها على الثقافة العالمية بشكل واضح، ناهيك عن حرصها على الوجود في الأسواق العربية لكي تصل إلى شرائح أوسع من القراء، مجلة (العربي) ومطبوعاتها استشعرت المستقبل باكراً ومنذ عام (2002) أطلقت موقعها الإلكتروني الذي استمر حتى وقت قريب، وأكسبها ميزة التواصل مع الأجيال الجديدة وعدد هائل من عشاقها الذين هاجروا إلى بلدان بعيدة. الآن تشهد مجلة (العربي) نقلة نوعية تمثلت في انتقال الإشراف عليها من وزارة الإعلام إلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وأستطيع القول إن القادم من الأيام يحمل الكثير من التحولات الإيجابية، التي ستعزز من استمرار وتميز مجلة (العربي) ومطبوعاتها.

 

¯ برزت الرواية وانتشرت عربياً في الآونة الأخيرة، حتى قيل إنها (ديوان العرب) المعاصر، فما السرّ وراء علو نجم الرواية على حساب باقي الأجناس الأدبية وأهمها الشعر؟ 

- سواء صعد نجم الرواية أو خفت نجم أي جنس من الأجناس الإبداعية، هناك أمران يشغلان تفكيري على هذا الصعيد، الموضة وحجم القاعدة القرائية، وأعني بالموضة هو أن الرواية صارت مثل صرعات الموضة، لأن التركيز عليها أصبح غير طبيعي مثل الشعر الذي تسيد الساحة منذ قرون، بدليل أن من تخصصوا في نوع معين من الكتابة هجروه ليكتبوا روايتهم الأولى، وهناك ممن لم يكتبوا أي شيء من قبل وكانت الرواية هي باكورة أعمالهم، هذا الوضع يجعلني أسأل: هل الرغبة في البقاء تحت دائرة الأضواء هي السبب؟ 

وهل تسيد الرواية أسهم في توسيع دائرة القراءة، خاصة للروايات التي تحوي مضموناً تتوافر فيه عناصر الجودة؟

¯ هناك حملة على الناقد العربي، وغيابه عن النص الإبداعي، كيف تقيم هذه الإشكالية القديمة المعادة؟

- ما لمسته هو النقد الموجه لغياب دور الناقد في ممارسة مهامه بشكل أعمق يبتعد عن المجاملة أو الشخصانية، ربما غاب الناقد في الصحافة الورقية، ولكن النقاد المتخصصين في بعض وسائل التواصل الاجتماعي يمارسون نقداً جميلاً ولاذعاً في الكثير من الأحيان يستحق النشر، وهنا تبرز إشكالية أخرى تتمثل في عدم استفادة الصحافة الورقية من النقاد الحقيقيين.

 

¯ كيف تنظر إلى مستقبل المجلات الثقافية في ظل هيمنة وسائل التواصل، والتي تبيح نشر الغث والسمين؟

- من دون تمويل سخي ستعاني جميع تلك المجلات، وهذا المصير حدث للكثير من المجلات الثقافية قبل زمن النشر الإلكتروني، واليوم تواجه (الصحف) الورقية نفس المصير، لأن توجهات سوق الإعلانات تسير نحو العالم الرقمي.