عُرِفَت سوريا منذ سالف الزمان، بأنها مهد العلوم والحضارات وموطن فلاسفة الرأي، ولعل أبرزهم الطبيب الروائي عبدالسلام العُجيلي، الذي لقب بأديب الأطباء وطبيب الأدباء، فقد جمع العُجيلي بين الطب وكتابة الأدب، كما اشتغل بالعمل السياسي.
ولد عبدالسلام العُجيلي عام (1918م) بمدينة الرقة في سوريا، ودرس بكلية الطب في جامعة دمشق، وبعد تخرجه فيها عام (1945م) عمل طبيباً ببلدته الرقة، حيث كان أكثر الأطباء انتماءً لها، حتى أُطلق عليه أيقونة الرقة وضفتها الثانية.

لحِرْصه على مداواة أهلها بعيادته بلا مُقابل، ومن أشهر آراء العُجيلي قوله (إن ما كتبته يكتبه غيري.. لكن دوري في مداواة الناس لا يقدر عليه غيري).
اهتم العُجيلي بقراءة الكتب المُتعلقة بسيرة رسول الله والصحابة، وكتب التاريخ والقصص الشعبي، وقد عرف عن حميد العُجيلي - جد عبدالسلام العُجيلي، وكذلك حمدي العُجيلي - عم والدته - أنهما تفوقا في تأليف الشعر البدوي، كما تنتمي إلى عائلة العجيلي الروائية السورية شهلا العُجيلي.
وفي عام (1936م)، نشر للطالب عبدالسلام العُجيلي قصة بدوية بعنوان (نومان)، بمجلة (الرسالة) المصرية، تم نشرها بتوقيع مجهول يحمل حرفي ع.ع، ومن طرائف الكاتب الشامل أنه كتب تحت أكثر من (120) اسماً مستعاراً خلال مسيرته، إلى أن كشف السر الأديب الدمشقي سعيد الجزائري.
كما أنه في عام (1937م) خاض العُجيلي تجربة الكتابة المسرحية، فنال جائزة مجلة (الحديث) الحلبية لعبقرتيه في تأليف مسرحية (أبو العلاء المعري)، كما نشر العُجيلي قصصاً وقصائد في بعض الدوريات الأدبية مثل مجلة (المكشوف) ببيروت.
دوّن الأديب الرائد تجربته الشخصية كطبيب في بعض الكُتب التي ألّفها مثل (أحاديث الطبيب - عيادة في الريف - حكايات طبية)، وكان للعجيلي دور حيوي في مكافحة شلل الأطفال في ثمانينيات القرن الماضي.
وفي عام (1945م) سافر العُجيلي إلى مصر، وحضر إحدى حفلات أم كلثوم، كما التقى الشاعر أحمد رامي، وقد تأثر العُجيلي بالقاص المصري يوسف إدريس، الذي يتقابل معه في إبراز قيمة الحكاية في القصة، وتضمينها شيئاً من التشويق، ولكنه يختلف معه في الحوار، لأن الحوار لدى العُجيلي بالفصحى، أما حوار إدريس فغلب عليه طابع العامية.
وفي عام (1947م)، نضم العُجيلي للحياة السياسية، بانتخابه أصغر نائب بالبرلمان السوري وقتها.
مكث العُجيلي في الرقة، ليُمارس نشاطه كطبيب، إلا أنه ظل شغوفاً بالكتابة، حتي وصل نتاجه الأدبي إلى (44) كتابا،ً ما بين الرواية والقصة والسياسة والشعر والمقال، وقد تميزت كتابات العُجيلي بالبساطة، حيث استخدم فيها معجماً قريباً من القارئ العادي، بسبب البيئة البدوية التي نشأ فيها، وتغلِب على سُكانها أنصاف المثقفين.
امتلك العُجيلي ديواناً شعرياً واحداً، ومع ذلك كان من أكبر مبدعي عصره شعراً ونثراً، لتفوقه في كتابة المونولوج والشعر بأنواعه، كما كتب العُجيلي)الموليَّا)، وهي من أبرز ألوان الشعر الشعبي الغنائي في وادي الفرات فلقب بـ(شاعر الفرات).
كما كتب العُجيلي الكثير من القصائد الوطنية عن القضايا العربية، وأثناء دراسته برع في تنظيم قصيدة شعرية في مسألة كيميائية، وقد ضمَ ديوانه (ليالي ونجوم) 28 قصيدة من الشعر العمودي.
وعندما فقد العُجيلي نجله الطبيب (مهند)، إثر حادث أليم.. رثاه قائلاً:
بُني تركتني ومضيت هلّا
صبرت لعلنا نمضي سويّا
فهذا العيش بعدك كيف يحلو
أيا حلو السجايا والمُحيّا
برع العُجيلي في كتابة أدب الرحلات، منها (حكايات من الرحلات - دعوة إلى السفر- قناديل إشبيلية )، وبالنسبة إلى أدب الحوارات فقدم لنا العُجيلي كتابه (أشياء شخصية).
أيضاً برع الكاتب الموسوعي في أدب الرثاء، فأصدر كتابه (وجه الراحلين)، كما ألف كُتباً تندرج تحت أدب المقالة مثل (أحاديث العشيات - فلسطينيات عبدالسلام العجيلي - في كل وادٍ عصا).
أسهم العُجيلي في إحياء أدب المقامة، حيث تميزت مقاماته بتسلسل مقاصدها وحركية البطل ومَنْ معه، ولذا أصدر كتابه (المقامات)، الذي ضمّ بعض المقامات الساخرة، كما كتب العُجيلي المقامة البرازيلية، نسبة إلى مقهى البرازيل، حيث سخر فيها العُجيلي من أدعياء الثقافة على لسان راوي المقامة عبدالسلام بن محب.
كما ألف العُجيلي كتابَيْ (جيش الإنقاذ - السيف والتابوت)، كما كتب لفِرقة الفنون الشعبية في الرقة، وبرع في كتابة قصص الخيال العلمي، مثل قصة (زيلوس كوكب الغيرة)، وفيها يرحل العُجيلي بقرائه بين النجوم والمجرات والنيازك.
عُيِنَ العُجيلي وزيراً لوزارتي الخارجية والإعلام السوري، ثم تم تعيينه وزيراً للثقافة عام (1962م)، وعندما عيّن العُجيلي نزار قباني - الموظف بالخارجية السورية - دبلوماسياً في سفارة سوريا بإسبانيا، عاتبه الدكتور بشير العَظْمة رئيس وزراء سوريا وقتها، قائلاً: (يا عبدالسلام.. لعلك عيّنت نزار في إسبانيا.. فقط لأنه صديقك)، فأجاب العجيلي: (لقد نقلته لإسبانيا، ليس لأنه صديقي ولكن لأنه شاعر، وإسبانيا تحتاج إلى شاعر).
وقد وصف النُقّاد العُجيلي بالبدوي البرجوازي أو البرجوازي النبيل، أما نزار قباني فقال عنه: (العُجيلي أروع بدوي عرفته المدينة، وأروع حضري عرفتهُ البادية).
قدم الكاتب المحشو بغنائم الكتابة بعض المجموعات القصصية، مثل (بنت الساحرة - فارس مدينة القنطرة - ساعة الملازم)، كما قدم قصتي (فصول أبي البهاء - حب أول وحب أخير)، ومن أجمل روايات العُجيلي: (باسمة بين الدموع - أزاهير تشرين المدماة - أرض السيّاد)، كما أسهم مع بعض الكتاب السوريين الظرفاء في تأليف ما أسماه العُجيلي بـ(عُصبة الساخرين).
تُرجمت معظم كتابات العُجيلي إلى قرابة (12) لغة أجنبية، منها الإنجليزية والإيطالية، كما تُرجمت له ثلاثة كتب إلى اللغة الفرنسية، أيضاً دُرست بعض مُؤلفات أديب سوريا، لطلاب المدارس والجامعات.
أُطلق اسم العُجيلي علي بعض المدارس والأحياء والسورية، كما حُوِلّتْ بعض رواياته لأعمال تلفزيونية، أيضاً نال العُجيلي دروعاً وأوسمة، وقد تناول الكاتب السوري نبيل سليمان قصة حياة العُجيلي، من خلال تأليفه لكتاب (حكواتي من الفرات.. عبدالسلام العجيلي)، وفي عددها الصادر في يونيو عام (2006م)، تناولت مجلة (الكويت) ست عشرة دراسة عن سيرة ومسيرة الروائي العجيلي. وفي (5 إبريل عام 2006م)، رحل كاتب الروائع تاركاً إرثاً أدبياً نفيساً لا يُقدر بثمن.