نافذة الثقافة العربية

لكتاباته النقدية حضورُها في المشهد التشكيلي

عبدالرؤوف شمعون دمج التجريدية بالواقعية مع ضحكة طفل

الكاتب : جمال عقل

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد الحادي والثلاثون May, 01 2019

هو فنان تشكيلي وكاتب وباحث وناقد، تجربته كبيرة من خلال بحثه المتواصل بين أروقة الفن التشكيلي، من حيث الأسلوب والتأريخ للفن عبر أعماله الفنية وقراءاته النقدية لكثير من الأعمال، واستطاع إيجاد بصمة له في مسيرة الفن والنقد التشكيلي، على حد سواء. العمل الفني لدى الفنان عبد الرؤوف شمعون يتميز بالانتقائية لغرض التعبير، فيعمل جاهداً على انتقاء عناصر من الواقع، عبر دراسات متأنية تستند إلى خبرته الطويلة في التعامل مع اللوحة، ليعمل على إعادة ترتيبها بطريقة تصل فيها الرسالة للمتلقي بكل يسر، فيستند بأعماله إلى الشعور الذي ترسخه فرشاته وألوانه، كذلك تجد في أعماله متعة حقيقية مستمدة من توافر العناصر الأساسية للعمل الفني، عبر جماليات يعتصرها من إحساسه وخبرته.

عبدالرؤوف شمعون

يعتمد الفنان شمعون، في الأساس، على القيام برسم الأشكال أو النماذج الواقعية بصورتها المجردة، والتي تبتعد عن مشابهة الشخصيات أو المرئيات بأنواعها المختلفة، حيث ينتقل من الأشكال الطبيعية أو الواقعية إلى اختزال الأفكار، والعمل على تشكيلها من خلال اللون والخط وتكسير صورتها الواقعية، من دون توضيحٍ للخطوط والاعتماد بشكل مطلق على الكتلة، فقد تميز شمعون بقدرته على النتاج الفني برسم الأشكال التي يتخيلها، سواء كانت واقعية أو من خياله، بحيث يذهب إلى تبسيط الأشكال الواقعية دون المساس بحضورها ولو كانت بصفة ملامح بسيطة، حيث إن كلمة تجريد هي تعني في الأساس القيام بالتخلص من كل أثر للواقع أو للحقيقة، مع الاحتفاظ بالمدلول بالنسبة لعناصر اللوحة لتدل على الكثير من المعاني والكثير من الأشياء.

ولد الفنان عبدالرؤوف شمعون عام (1945)، وهو ناقد وتشكيلي له حضوره المهم في الساحة التشكيلية الأردنية والعربية، يمتلك الرؤية الفنية المؤثرة، ومشاركاته متعددة في العديد من المعارض الجماعية والفردية، له نشاط وحضور مميزان، من خلال عضويته في رابطة الكتاب الأردنيين ورابطة التشكيليين الأردنيين، وقد حاز جائزة الدولة في الفنون سنة (1990)، والجائزة التقديرية لبينالي الشارقة سنة (1993)، يمتلك حاسة متميزة في قراءاته النقدية من خلال اهتمامه بالأعمال الكلاسيكية والتجريدية الحداثية، ومن خلال إحساسه المفرط تجاه ما يشاهده من أعمال، وعبر إيمانه بحضور الفن وأهميته كوسيلة للتعبير الإنساني الذي يمتاز بالالتزام الفعلي بالقضايا الإنسانية .

وكان لمساهمة الفنان شمعون دوره المهم في إثراء الدّراسات النّقدية للحركة الفنيّة الأردنية والعربية، عبر قراءاته العميقة والمتأنية في تعبير صارخ عن المفاهيم الفنية الدقيقة، واستناداً إلى قيمة العمل الفني من حيث المفهوم والقيمة الجمالية، لذلك كان لكتاباته النقدية أهمية من خلال حضورها في مسيرة النقد الفني العربي، وعبر دراسته للعمل الفني بعمق ووضوح، من دون محاباة أو مجاملة على حساب الذوق العام وقواعد العمل الفني الحقيقية، التي يجب توافرها في كل عمل.

وصفه الفنان الراحل محمود طه بقوله: (يمتلك أدوات مهمة كثيرة ومتنوعة، منها الجانب الثقافيّ الرفيع في اللغة، وفي الأدب، وفي النقد، الذي مكنَّه من دخول ساحة التشكيل بقوة، كما استطاع أنْ يطرح أعمالاً جادة، بقيتْ تتطور وتأخذ بشكل تدريجيّ الأسلوب التجريديّ والحداثيّ في الفن التشكيليّ)، أما الفنان الراحل رباح الصغير - فنان الكاريكاتير -فقال عنه: (لعل شمعون أول من أدرك بحسه طبيعة العلاقة المعقدة بين ذات الفنان وموضوعه وعرف من دون شك الخاصية الفردية في تطويع الأداء). من خلال أسلوبه التجريدي ومن ثم إلى التعبيري التجريدي، قدم أعمالاً عبر سنين طويلة من خلال معارضه التي تمتاز بحسها الفني العالي من حيث اللون والبناء، وعبر بحثه المتواصل والتجريب والبحث عن التقنية، استناداً إلى فكر عميق يعبر عنه على مسطح اللوحة، حيث تجده في كل معرض له يطرح تجربة جديدة بمؤثرات لونية مختلفة عن المعارض السابقة، في إشارة إلى بحثه المتواصل واجتهاده بالوصول إلى التفرد بكل ما يطرح من أعمال فنية.

من أعمالهوقال الفنان شمعون في إحدى شهاداته: (صورتك تحت عينيك، حينما تنظر، تشاهد الآخرين، وعمقاً داكناً غير السواد، حيث حساسيتك المعلقة بزمن يمضي مجافياً للتوقعات، فهل هذا يعني أنك تعطي أفضلية للحلم؟! ذلك يمكن أن يحدث، ولكن كيف باستطاعتك أن تملأ بالغموض الموحي عصر المكائد، واشتباك المعايير القيمية حين تلامس أداة الرسم؟ ومتى؟ في الصحو المربك وأين؟ في بقعك المكشوفة للنهايات، أم في فضائك المفرط نفسه الذي شهد مصادرة الأسطورة أولاً، ثم الهتك الأخير للرومانسية تالياً).

استندت أعماله إلى تجربته الفنية في البحث عن تلك العلاقة المعقدة بين الشكل البصري للعمل الفني، والمعنى الذي يحاول ترسيخه عبر رؤيته الثاقبة في كل ما يطرح، من أجل إيصال رسائله من خلال حضور الدلالات، التي يحاول إيصالها إلى كل من يشاهد عمله الفني. وكونه ناقداً فهو يدرك تماماً ماهي الوسيلة الصحيحة لاصطحاب المتلقي لعمله الفني عبر أسس فنية صحيحة يدركها تماماً عبر تجربته الطويلة، إذاً فنحن أمام كتلة فنية هائلة تختزن تجربة طويلة في التعامل مع اللون والخط والتشكيل، وإدراك أهمية وضع دلالات ورموز يستطيع المتلقي من خلالها أن يتلقى الرسالة بكل يُسر.

 وقد أشار أكثر من مرة حول تجاربه الفنية بقوله، إنه جرب خامات عديدة، ويعتقد أنّ كل فنان معنيّ بتطوير ذاته لذلك لا بدَّ من التجريب، من خلال العديد من التقنيات، ثم يختار منها ما يخدم عمله، والفنان شمعون لا يعتمد على خامة محددة في أعماله، بل ينصب اهتمامه على أن تكون الخامة تخدم العمل، لقد تكونت لديّه فلسفة فنية لم تكن إلاّ نتيجة مكونات ثقافية واجتهادات فكرية بعضها انزاح مع الماضي، وبعضها تطور إلى ما يشبه الرؤية الجمالية لعناصر عمله الفنيّ، والمستندة أساساً إلى هندسته في تجريد الأشكال وإيصالها للرمزية المحسوبة، ومثل هذه الرؤية مازالت مؤثرة في مجمل أعماله، حيث انشغل طويلاً في عملية تأمل ما يحيط به من مرئيات، والعمل على تحويلها إلى صيغة فنية تعمل على تلخيص تلك الأشكال الواقعية أو التي يتم استحضارها من ماضيه.

اجتهد واستحضر عبر مسيرته الذاكرة الوطنية بكل أبعادها الروحية المتنوعة، لتكون مواضيع لأعماله وتجربته، التي تمتد لأكثر من أربعين عاماً، فكل ما تقدم يُعد جزءاً بسيطاً لما يمكن أن يُقال عن هذا الفنان المبدع والملتزم بالقيم الفنية الأصيلة، والذي فرض حضوره الفني على الساحتين الأردنية والعربية، سواء عبر لوحاته أو عبر قراءاته النقدية التي أثرت المشهد التشكيلي العربي بشكل عام.