نافذة الثقافة العربية

العنوان عتـبة النـص والانطــبـاع الأول للمتلـقـي

أزهر جرجـيـس: تأثرت في كتاباتي بالواقعية السحرية

الكاتب : أحمد اللاوندي

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد الخامس والثمانون Nov, 01 2023
ولد الروائي (أزهر جرجيس) في العاصمة العراقية بغداد عام (1973م)، ويقيم حالياً في النرويج، حيث يعمل محرراً ثقافياً ومترجماً فورياً بين العربية والنرويجية بصحيفة (تليمارك). من رواياته: (صانع الحلوى 2017م)، ورُشِّحت روايته (النوم في حقل الكرز 2019م) ضمن القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) (2020م)، كما وصلت روايته (حجر السعادة 2022م)، إلى القائمة القصيرة لنفس الجائزة في العام الحالي (2023م).  هنا؛ مجلة «الشارقة الثقافية» التقت به من خلال هذا الحوار..

 

تكوينك الأدبي والثقافي واللغوي بدأ في سن مبكرة جداً.. كيف كان، ولِمَ أنت مفتون بالتجول في المكتبات العراقية القديمة؟

- أنا ابن مكتبة، نشأت في محل لبيع الكتب والمجلات والصحف، كان أبي قد أسسه بعدما كبرت العائلة وتوسعت، فاضطر لتوسيع رزقه. كانت روايات الأدب العالمي تحيط بي من كل جانب، ورائحة الورق تملأ المكان، ما يشكل دافعاً للقراءة تتعذر مقاومته. يومذاك كانت المكتبات زاخرة بالروّاد، والكتاب سلعة متداولة كالخبز.

بالتأكيد لديك طقوس خاصة بك أثناء الكتابة.. نريد أن يتعرف إليها القراء؟

- ليس لدي طقوس خاصة، إلا أنني لا أباشر الكتابة ما لم تكن هنالك قهوة وموسيقا ومنضدة في ركن المقهى. لقد شعرت منذ البداية أن الضوضاء تدفعني للكتابة أكثر مما يفعل الهدوء، لذلك تجد أن أغلب كتبي قد تمّت في المقاهي. من يكتب عن الناس عليه الوجود بينهم، بذلك تكون الكتابة صادقة وحقيقية.

 

لك عناوين مثل؛ (النوم في حقل الكرز)، و(حجر السعادة)، و(صانع الحلوى)؛ إنها مشوقة وجذابة وتشي بالتفاؤل والمرح.. ماذا يعني هذا؟

- العنوان عتبة النص وراسم الانطباع الأول لدى المتلقي.. لذا؛ فمن الأهمية بمكان العناية باختياره، فكم من كتاب جيد أساء إليه عنوانه وأضعفه. بالنسبة إلي، أفضّل أن يكون العنوان قصيراً قابلاً للحفظ، ومتوقداً يشي بنص حيوي ومراوغ. لا أحبذ العناوين الشاعرية، ولا تلك المتبوعة بعنوان ثانوي طويل.

النص القصصي قد يُبنى على التكثيف، وعلى تراكمات ثقافية ولغوية، وعلى الغرائبية والإبهار وغير ذلك.. أعطنا تصوراً عن البنية التي ترتكز عليها، وتعتمدها عند كتابة القصة القصيرة؟

- من زمن طويل لم أكتب قصة قصيرة، كانت تجربة مهمة بالنسبة إلي، حاولت أن أؤسس فيها شعريّة نصوصي على الفكاهة والتهكم، فجاءت نصوصاً فنتازية ساخرة، ولا تستثني البعيد ولا القريب. لم أعوّل كثيراً في تلك النصوص على الغرائبية والإبهار، ولم أدّعِ الحكمة، فجاءت في أغلبها قصصاً ذات بعد واحد، أحبّها القراء ومازالوا يتداولونها حتى الساعة، كما أشاد بها النقّاد وكتبوا عنها الكثير.

روايتك (حجر السعادة) التي وصلت للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) (2023م)، بطلها مصور وصاحب عدسة.. لماذا تستهويك دائماً فكرة التصوير وحمل الكاميرا؟

- منذ الطفولة أحب التصوير، وكانت لي كاميرا من ورق صنعتها ذات يوم من دفتري. الكاميرا صديق وفيّ كالكتاب، تؤنس حاملها في وحشته، وتوقف له العالم بأسره. لا شيء قادر على إيقاف عجلة الزمن سوى الكاميرا، وهي بذلك كاتب للتاريخ، يدوّن الأحداث بصدق، ويرسم معالم المدينة كما هي، لهذه الأسباب أنا مفتون بفكرة التصوير وحمل الكاميرا، ولتلك الأسباب أيضاً جعلت (كمال توما) مصوراً وشاهدَ عدلٍ على ما حدث.

 

ثمة كُتّاب عرب وأجانب قرأتَ لهم، ولاتزال أعمالهم تمثل لك خصوصية شديدة.. مَنْ هم؟

- (كنوت هامسون، وماركيز، وميلان كونديرا) عالمياً، و(حنا مينة، وإحسان عبدالقدوس، وغائب طعمة فرمان) عربياً.. هؤلاء هم كتّابي المفضّلون، الذين أواظب على إعادة قراءة ما كتبوا كلما سنح الوقت. لقد تأثرت بشكل خاص بالسخرية التي يكتب بها غابرييل جارسيا ماركيز حكاياته، وفُتنت منذ أول نص له مترجم للعربية وقع في يدي، بأسلوب الواقعية السحرية الذي يتميز به. أتذكر أنني قرأت رائعته (مئة عام من العزلة) ست مرات، ولم أرتوِ بعد. 

 

ما العوامل التي أدت إلى تراجع الشعر وتقدم الرواية؟

- قصور الشعر في التعبير عن المعاناة، مع كثرة الدخلاء عليه وانقياده لتقليعات الحداثة غير المتناهية، أهم الأسباب التي جعلته يتراجع كثيراً في الآونة الأخيرة، فاسحاً الطريق أمام الرواية لتصدر المشهد الأدبي. بالطبع؛ الأمر ليس صراعاً بين جنسين أدبيين، ولا انحيازاً للرواية ضد الشعر، لكن الواقع يكشف لنا بشكل لافت، أن الرواية أمست ديوان العرب، وما هجرة الشعراء نحو كتابة الرواية إلا دليل على تميزها ونجاحها في تسيّد حياتنا الأدبية المترفعة، حتى وقت قريب، على السرد وصنعته.

بِمَ تفسر تميز السرد العراقي خلال السنوات الأخيرة، وحصوله على جوائز عربية وعالمية، إضافة إلى اهتمام المترجمين به؟

- منذ (النخلة والجيران)، والسرد العراقي مميز برأيي، كل ما في الأمر أنه كان محاصراً.. أما الآن، وقد تهاوت الجدران وصار العالم حقاً قرية واحدة، فإن السرد العراقي بات مقروءاً بشكل جيد، ونال حقه من الاهتمام والتميز.

 

حلمت أن تكون لاعب كرة قدم، وعازف كمان، وممثلاً.. هل كنت تحلم أن تصبح روائيا؟

- كانت أحلام طفولة ليس إلا، والحمد لله أني فشلت في تحقيقها كلها، إذ عندما كتبت حكاية فشلي تلك، على هيئة نص سردي، راودني وقتئذٍ حلم جديد بأن أصبح كاتباً. لقد كان ذلك دافعاً كبيراً لقراءة القصص ومحاولة اكتشاف عالم جديد، عالم هادئ بعيد عن صخب الكرة وألعاب الأزقة، التي كنا نمارسها حفاةً يومذاك. 

 

اليوم أنت روائي معروف عربياً وعالمياً.. ما هي طموحاتك وأحلامك والجديد الذي تعمل على إنجازه مستقبلاً؟

- أطمح إلى تأسيس بيت يلمّ الصغار المشردين في بغداد، أعلّمهم فيه القصص وقراءتها وكتابتها، فينشأ جيل قادر على التخيّل، هذا حلمي الذي أتمنى تحقيقه قبل الرحيل. أما على مستوى المشاريع الكتابية، فتشغلني فكرة رواية جديدة، وقد شرعت فعلاً في كتابتها قبل عام ونصف العام تقريباً.