نافذة الثقافة العربية

وظفت مخزونها المعرفي في الكتابة النقدية

د. أماني فؤاد: شغلتني أسئلة الطفولة والدهشة

الكاتب : أحمد اللاوندي

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد الثاني والستون Dec, 01 2021
د. أماني فؤاد ناقدة مصرية، ولدت بمحافظة كفر الشيخ، وحصلت على ليسانس اللغة العربية والدكتوراه في النقد والبلاغة من جامعة عين شمس. أستاذة بمعهد الدراسات العربية بجامعة الدول العربية، وأستاذة زائر بالجامعة الكاثوليكية بميلانو، وتقوم بتدريس النقد الأدبي الحديث في أكاديمية الفنون بالقاهرة، وعضوة لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضوة لجان تحكيم جوائز الدولة والجوائز العربية في القصة القصيرة والرواية. شاركت بمؤتمرات مصرية ودولية عديدة. من إصداراتها: (الإبداع في تراث أبي حيان التوحيدي ونقده، قضايا التنوير.. الخصوصية المصرية، المجاوزة في تيار الحداثة بمصر بعد السبعينيات)، ولها مجموعة قصصية بعنوان (لأسباب أخرى تعتم النجوم).

¯ ولدتِ ببيئة مائية... حدثينا عن ذكرياتك مع تلك الطبيعة الساحرة؟

- عشت على ضفاف بحيرة وبحر، وبشكل ما؛ شعرت بأنني قريبة من الكون من حولي، ومنفتحة على السماء والنهر والرياح والمطر، مع القوارب الشراعية والسفن، وأنني ضمن منظومة واحدة معهم. انبهرت منذ صغري من تجدُّد الأشكال الجمالية التي تتوالى على النهر والسماء، كنت أراقبهما وأُفتن بهما حتى في حالات ثورتهما. تطلعت دوماً لمعرفة ماذا بعد المسافة التي تراها عيناي، ما الضفة الأخرى، أي شيء تحت هذه الأمواج، توالت الأسئلة على ذهني منذ الطفولة وشغلتني... في مكتبة والدي ونقاشاتي معه ومع أساتذتي انفتحت العديد من علامات الاستفهام، فعرفت بعض الإجابات. لذا؛ يظل الشغف والدهشة والبحث.

 

¯ الأكاديمية والناقدة أماني فؤاد؛ كيف رسمتْ وأسستْ ملامح طريقها النقدي؟

- كنت أتعرَّف الطريق من خلال ما يدور حولي، وقراءاتي المتنوعة، ومراقبة أساتذتي، وقراءة منتَجهم الثقافي، مع الوقت والقراءة المتبحِّرة في الفلسفة والعلوم الإنسانية المختلفة، ومع الثقافة العامة ودراسة الفنون؛ وظَّفتُ مخزوني المعرفيَّ وذائقتي ووَعْيي في الكتابة النقدية، وتحرَّيت الصبْر على النصوص، واستنطاق عوالمها وفضاءاتها الخاصة، لستُ مؤمنة بأن منهجاً نقدياً واحداً يستطيع أن يستوعب عوالم الكتابات الإبداعية المتعددة، فمن يمتلك الأدوات النقدية والوعي بالمذاهب القديمة والحديثة وحالات الجدل القائمة بينهم؛ يستطيع أن ينمِّيَ وعياً وذائقة بالفنون كافَّة.

أضِفْ قِيمة الترفُّع عن كل ما هو مادي، وعدم الانخراط في الشللية، وأن يكون السعي دومًا للقيمة، وإضاءتها في كل عمل فكري وإبداعي فني تستشعر فيه بالجِدَّة والابتكار في الأفكار والتقنيات.

أحرصُ على أن تكون الكتابة صوتي أنا، رؤيتي بلا نقْل أو تأثُّر بأحد، من منطقة الأصالة والمعرفة والجهد أنطلق في كل عمل نقدي أدبي أو ثقافي أقوم به، فعلى الرغم من كوني محترفة؛ فإنني أحمل قلب هاوية. كما أنشُد تقديمَ نقدٍ أدبيٍّ وثقافي فكري يخلخل الثوابت التي تأبَّدت بحياتنا؛ لا نقداً جافاً. يشغلني القارئ؛ فأوَدُّ الوصول له بالنَّص أو الفكرة بطريقة جاذبة وسهلة، كما لا أستطيع كتابة النقد إلا إذا تبلورت بداخلي رؤية تستطيع أن تضيء إمكانات الظاهرة أو النَّص الذي أتناوله. النص لدي له قيمة فنية في ذاته، ويشتبك مع الواقع والعالم بشكل ما، وعملي أن أسلط الضوء على تلك الإمكانات.

 

¯ مَنْ مِنَ المبدعين كان له تأثيره في تطور ثقافتك ورؤيتك؟

- تكونت ثقافتي وفْق مراحل تحكَّمت فيها نشأتي، أولى قراءاتي الواعية كانت لبعض الروايات العالمية، ومؤلفات د. مصطفى محمود، فتحتْ كتبه بذهني أسئلة عديدة، لكنها لم تُجِبْ عنها، وهذا من حُسن طالعي؛ بحثتُ بنفْسي، عمَّا لم يستطع أن يقنعني به. في المرحلة الإعدادية قرأت كثيراً لأعرف، كنت أستوعب أشياء وأخرى تستغلق على ذهني، أتذكَّر أنني قبل الجامعة انبهرت بجبران خليل جبران وصلاح عبد الصبور؛ شِعره ومسرحياته، وفي الجامعة كان توفيق الحكيم وطه حسين ونجيب محفوظ كُتَّابي المفضَّلين، ثم بدأت أقرأ على نحو متخصص في النقد والفلسفة لمؤلفين غربيين وعَرب.

من عاداتي التي أحرص عليها أن يكون، بجوار قراءاتي المتخصصة في النقد أو الإبداع، قراءة بالتوازي لكل ما تهواه نفسي، ويتيح هذا أن أخرج من دوائر آلية الأداء في النقد، كما لا تقتصر قراءاتي على النقد والإبداع الفني، بل إن عمل النقد يشتمل على كل منتَج ثقافي وفكري وفني، وأنها مجموعة من الدوائر التي تسلم إحداها إلى الأخرى.

¯ منبهرة أنتِ كثيراً بأبي حيان التوحيدي... لِـمَ؟

- لأن أعماله كانت محور رسالتي للماجستير، ومعظم الباحثين يقعون في هوى شخصية من يبحثون عنه، وهو شعور طبيعي، خاصة لو كان بقدرات التوحيدي؛ فهو عالِم يمتلك ثقافة موسوعية، وجرأة على طرح الأفكار، وتنوع في المسامرات، والخوض في كل مجال من إبداعات الفكر البشري، سواء الفلسفي أو الفني أو التصوف.

 

¯ لماذا الرواية هي سيدة الأجناس الأدبية؟

- لأنها تستوعب الفنون الأخرى كافة، وتطوِّعها في حيِّزها السردي المتسِع، الذي بإمكانه أن يكون متنوِّع التقنيات، وتخلُق حيوات وكياناتٍ متبلوِرةً لعوالمَ موازيةٍ؛ فينجذب إليها القراء، ويجدون المتعة حين ينصهرون بهذه العوالم، التي قد تكون شبيهة بعوالمهم، أو أنها تجعلهم يعيشون حيوات من الصعب عيشها، لكنها تتيحها لهم.

 

¯ القصة القصيرة أين هي الآن؟

- ستعود للمنافسة؛ ففي تصوُّري أن كل جنس أدبي، لا يمكن أن يطغى على آخَر، فكل واحد يغذِّي ويشبِع جانباً من جوانب ذائقة ووجدان البشر وأفكارهم. فقط؛ أدعو دور النشر للاهتمام بها، وإقامة ندوات من أجلها؛ فهي تبلوِر اللحظة الزمنية الخاطفة، وتجعل من الخطفة بانوراما تعرض للإنسان وذبذبات تحولاته ومشاعره وأفكاره. القصة القصيرة هي الحفْر الرأسي في لقطة إنسانية، تكثف الزمن والمكان والحدث، ببلوَرتهم بطريقة فنية، وبيان المفارقات في أشكال حكايات الوجود والبشر.

 

¯ متى يؤتي تداخل النصوص بالقصيدة المعاصرة ثماره من وجهة نظرك؟

- حين لا يكون لاستعراض ثقافة الشاعر فقط، ولا يأتي للتزيُّن بنصوص الآخرين، وخاصة الغرب. حين يكون للإضافة وخلْق حالة من الجدل والحوار، للمخالفة على سبيل المثال، ولتفكيك الموروثات الغريبة، وفي النهاية؛ حين يكون إثراء للنَّص ولعبة فنية مبدعة.

نجيب محفوظ

¯ ما الدور الذي يمكن أن تقوم به اللغة العربية في تبادل الثقافات والتواصل مع الآخر؟

- للغة العربية خصوصيتها وهُوَيَّتُها المميَّزة، أومن أننا نفكِّر باللغة، لذلك؛ أحسب أننا كلما كنا حداثيين، وتمتعت ثقافتنا بالمنجَز العلمي والثقافي والفني، وبالمنجَز الفكري الحر، وغربلنا كثيراً من أسباب معوقاتنا، وفكَّكنا موروثاتنا من خلال النقد الثقافي؛ انطلقنا للعالَم الحديث، وانتعشت العربية في العلوم الإنسانية والعلمية التطبيقية. كلما تمتعنا بالحريات زادت العربية في تأثيراتها العالمية، فاللغة ليست جسراً أو وعاء لنقْل الأفكار فقط، بل هي فكْر وعِلم وجدلٌ مع الوجود. لهذا؛ يجب تبسيطها وتدريسها، من خلال نماذج شائقة وتحمل جدلاً من الأدب.

 

¯ هل إبداعات المرأة العربية خلال السنوات الأخيرة في تزايد؟

- بلا شك، لكن الإحصاءات حتى الآن تصرِّح بأنها لم تزَلْ أقلَّ من منتَج الرجل للأعمال الإبداعية. التزايُد وارتفاع الأعداد ليسا الزاوية التي ينبغي أن نتوقف عندها، بل عند القيمة الإبداعية والفكرية التي تتضمنها إبداعاتها. وخلافاً لما يدَّعيه البعض، أجد المرأة المبدعة المصرية والعربية تكتب أحياناً على نحو فارق، وتضيف للموروث البشري والحضاري في العلوم والفنون وتاريخ الأفكار والمنتَج الحضاري. المرأة لها إسهاماتها التي تكمل مسيرة الرجال في المجالات كافة، كما أنها تضيف بَصْمَتَها ورؤيتها النسوية المميَّزة.