عمار علي حسن.. روائي وناقد أدبي، وخبير في علم الاجتماع السياسي، تخرج في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وجمع بين الأدب والسياسة، وكانت رسالته للدكتوراه (القيم السياسية في الرواية العربية) تعبيراً عن هذا التمازج. صدر له أكثر من (50) كتاباً في الاجتماع السياسي والرواية والقصة، وقصص الأطفال والأعمال السردية، والشعر والدراسات الأدبية والتراجم. من رواياته: (خبيئة العارف، بيت السناري، جبل الطير، باب رزق، السلفي، سقوط الصمت، شجرة العابد، زهر الخريف، جدران المدى، وحكاية شمردل)، ومن مجموعاته القصصية: (أخت روحي، عطر الليل، حكايات الحب الأول، أحلام منسية، عرب العطيات).
تُرجمت بعض كتاباته الأدبية والعلمية إلى عدة لغات، وحصل على عدة جوائز أهمها: جائزة الدولة للتفوق، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي، وجائزة هزاع بن زايد في أدب الأطفال.
قال الدكتور عمار علي حسن، في حوار مع (الشارقة الثقافية): أن دراسة السياسة وسعت أفقه الأدبي، وإن على الفن أن يستفيد من العلم الإنساني في التقاط الأفكار وصناعة البنية المحكمة، مشيراً إلى أن الأدب يغير العالم على مهل. وأكد أن نجيب محفوظ، هو البنَّاء الكبير الذي وضع الأرضية لمن يأتي بعده من الروائيين، وأن من حقهم أن يضيفوا ويتمردوا ويبدعوا الجديد..
¯ لك كتب في علم الاجتماع السياسي، وأيضاً في الأدب، ونظراً للاختلاف بين السياسة والأدب، كيف تعاملت مع الاثنين؟
- لم أمارس السياسة كمحترف، بل بوصفي مثقفاً منتمياً للناس، قد يكون حديث (جرامشي) عن (المثقف العضوي) هو الأدق في وصف ما أقوم به، لأني اعتذرت عن تولي مناصب سياسية كبرى، لأن الكاتب داخلي لم يرض أن يزعجه أي من هذه الأدوار. وإذا كنت قد مضيت في البحث في علم السياسة، فإني جعلت من هذا إضافة إلى مساري الأدبي، وليس خصماً له، فدراسة السياسة وسعت أفقي الأدبي، لأني أدركت مبكراً عدة أشياء، أولها؛ أن للفن شروطه المختلفة عن البحث العلمي، وله طرائقه وأساليبه وعوالمه وجنونه، الذي يختلف كثيرا عن مسارات العلم في مسارات براهينه.
لكن يمكن للفن أن يستفيد من العلم الإنساني في التقاط بعض الأفكار، وفي صناعة البنية المحكمة، وهي مسألة تحتاج إليها الرواية بالأساس، وتتخفف منها القصة القصيرة كثيراً وعميقاً، وتغيب في الشعر تقريباً.
وثانيها؛ أن الأدب ليس وعظاً ولا أيديولوجيا ولا منشوراً سياسياً، وأن الكتابة التي سقطت في هذا الفخ أهانت نفسها وصاحبها، ولفظها الفن، وكنت دوماً أنبه، وأنا أمارس النقد الأدبي، إلى هذا، وأضرب مثلاً بالأدب الروسي.
وثالثها؛ أنني لم أنس الأدب في عمق انشغالي بالدراسات السياسية، فقد اخترت موضوع رسالتي للدكتوراه عن (القيم السياسية في الرواية العربية)، ولا يجب أن ننسى أن كثيراً من كبار الأدباء مارسوا السياسة، ومنهم من حصل على نوبل، وبعضهم كتب الرواية السياسية.

¯ كتبت الرواية والقصة والشعر.. فما القاسم المشترك بين هذه الفنون؟
- إضافة إلى الرواية والقصة والشعر، كتبت أيضاً أشكالاً أخرى، مثل (المتتالية القصصية) و(القصة القصيرة جداً) و(أدب الأطفال) ونصوص لا يمكن تصنيفها، و(السيرة الذاتية السردية). كل هذه ألوان من الأدب، بينها مشتركات كثيرة، فالرواية عندي تذهب في بعض الوصف إلى منطقة شاعرية كما يقول نقاد، ويمكن لها، حين تتوالد في رحمها الوسيع حكايات صغيرة، أن تبدو قصصاً. لكن كل لون له شكله وشروطه.
¯ ما هي الفكرة أو الرسالة أو القضية التي تتمحور حولها رواياتك؟
- رواياتي موزعة على الريف والمدينة والصحراء، وتعرض قضايا تنهل من التصوف والتهميش الاجتماعي للفقراء والمعدمين ومظالم النساء، وبعضها يدور حول مختلف بيئات العمل في المكاتب والحقول والمعمار، وبها مسار عريض من (الفانتازيا) و(الواقعية السحرية والروحانية) والحكايات التاريخية والمعاني الفلسفية.

أنا أؤمن بالتنوع في الشكل والمضمون، حتى لا أكرر نفسي، فالكاتب، كما ينوع مضمون أدبه، عليه أيضاً أن يجتهد في تنويع الأشكال، ويساعدني في هذا أنني خضت تجارب متنوعة فعلاً، وأقرأ في اتجاهات عديدة.
¯ كتابك (مكان وسط الزحام) هل يعتبر جزءاً من السيرة الذاتية؟
- العنوان الفرعي لهذا الكتاب يكشف ما ركزت عليه في سيرتي، وهو (تجربة ذاتية في عبور الصعاب)، ولذا لم أكن في حاجة إلى الإغراق في تفاصيل لا تهم ما وددت الذهاب إليه. وقد توسلت بالسرد، وقانون تداعي المعاني والحكايات في هذا الكتاب، ونوعت في المضمون وطريقة التناول بين الأقسام الثلاثة للسيرة. وطبعاً إن امتد بي العمر فسأضيف إليها تجارب وخبرات أخرى.
¯ أصدرت (على خطى نجيب محفوظ)، يرى البعض أن (محفوظ) حجب جيلاً كاملاً من الروائيين، فما رأيك؟
- محفوظ نفسه ظُلم في البداية، فقد أنتج كثيراً وسط تجاهل النقاد، وتحدث هو عن هذا ووصفه بأنه كان (ظلماً وظلاماً) عاش فيه، وكاد يجعله يتوقف عن الكتابة، لكنه ثابر وعاند وجدد وأجاد حتى وصل إلى القمة.
كان محفوظ هو البنّاء الكبير الذي وضع الأرضية لمن يأتي بعده من الروائيين العرب، ليكون من حقهم أن يضيفوا ويتمردوا ويبدعوا الجديد، ويجب أن يشعروا بالامتنان له لا الغضب منه أو الإدعاء بأنه حجب أحداً، فالساحة مفتوحة للجميع. وأعتقد أن الرواية المصرية والعربية أضافت إلى إرث محفوظ الكثير.
¯ بعد التحولات الكثيرة التي حدثت في السنوات الأخيرة، هل تغيرت وظيفة الأدب؟
- وظيفة الأدب منذ بداياته يعمل على (تغيير العالم) على مهل، وهذه الوظيفة مستمرة، وهو في هذا لا يبالغ في مهمته، ولا يزعم أنه يقارع أهل القرار السياسي والثروة في قدرتهم على التغيير، فهو يغير بطريقة غير مباشرة، حين يساعد الإنسان على أن يعي الأمور بعمق، ويسهم في بناء رؤية حقيقية للذات والمجتمع والعالم والأشياء والمعاني والرموز، ووقتها يمكن للفرد أن يقرر الانحياز إلى الأفضل والأنجع، ومن هنا يأتي دور الأدب في التغيير.

¯ بعد تطور التقنية، كيف تواكب الثقافة العربية التقليدية التطور؟
- على الثقافة العربية أن تجدد نفسها، في المضمون والشكل، فتستجيب لحاجة الواقع، ليس للنزول إليه والخضوع له، إنما للأخذ بيده إلى آفاق من الحرية والعدل والنهضة والتقدم واستقلال القرار أو تمكنه، وعليها أيضاً، أن تراعي الشكل الذي تقدم به الثقافة إلى الناس في عصر الثورة التقنية، وتحول العالم إلى غرفة صغيرة، وميل الجيل الجديد إلى أدوات وطرق مختلفة في تلقي الثقافة والتفاعل معها.
¯ ترجمت بعض أعمالك إلى لغات أجنبية، هل نجح الأدب العربي في الوصول إلى العالمية؟
- نحن نتوهم أن العالمية تعني اعتراف الغرب بنا، مع أن العالم أوسع من هذا. والثقافة العربية أسهمت في تشكيل الحضارة الإنسانية، وبعض رواسبها لاتزال جارية في عروق الحضارة الحديثة. ولكننا ابتلينا بترجمات لا تعبر عن قوة ومكانة وتنوع مضامين واتجاهات الأدب العربي، فالمترجمون يختارون الأدب الذي يكرس الصورة النمطية للغرب عن العرب، أو الأعمال المكتوبة بلغة بسيطة، بل ركيكة أحياناً حتى تسهل ترجمتها، ويتم التعامل مع آدابنا من باب الاستشراق، ودور الأدب في التعبير عن حال المجتمع أو (علم اجتماع الأدب).. وهذا يظلم الأدب العربي، مع أن الوطن العربي حافل بأدباء كبار، منهم من يستحقون نوبل بجدارة.