نافذة الثقافة العربية

لقبوه بـ «موليير» المغرب

أحمد الطيب العلج.. ترك ذاكرة مسرحية تميزه

الكاتب : د. أسامة خضراوي

المزيد من المواضيع للكاتب
العدد التاسع والسبعون May, 01 2023
يُعد أحمد الطيب العلج، أو كما يروق للبعض تسميته (موليير) المغرب، ظاهرة المسرح المغربي بامتياز، فقد اجتمع فيه الشاعر والكاتب والزجّال والممثل. فنان عصامي لم يسبق له أن ولج التعليم الرسمي، لكنه فطن لأدبياته من خلال الزمن، رحل وترك العديد من الأعمال المسرحية والتراثية، التي عايشها الأجداد وسار على دربها الأحفاد، كما قال ذات يوم (خليها بعزها)، وكما قال عنه عبدالحق الزروالي يوماً: (يعرف كيف يرقى بالدارجة المغربية، إلى حد أن كل جملة يقولها هي بمثابة حكمة في حد ذاتها).

 

تحدث عنه صديقه الراحل الطيب الصديقي قائلاً: (خلانا يتامى في المسرح المغربي)، وهو لعمري، تعبير ينم عن قيمة هذا الهرم. إذ ليس بالمصادفة أن يكون لهما نفس الاسم، وتقريباً نفس المسار والهم، (الصديقي) تعلم من الطيب العلج حب المسرح، وحب الارتجال والتشخيص والإبداع فوق الركح.

مسرحية «اليانصيب» تكرم الراحل أحمد الطيب العلج

فهل يعرف الجيل الجديد، أن أحمد الطيب العلج، من مواليد (1928م)، بمدينة فاس، وتوفي في (1 ديسمبر 2012م) بمدينة الرباط، عن سن ناهزت (84) سنة. أسهم في التعريف بالمسرح المغربي، وأضفى عليه طابع العالمية، بهويته المغربية، وخصوصية الشعبية التراثية.. وفي هذا السياق، يؤكد الراحل بقوله المنشور في صحيفة (أنوال الثقافي ع 34) في (17/01/1987م): (إنني بقيت مخلصاً لتوخي الديباجة، لأنني مؤمن بأن الالتزام في المسرح، ليس شعاراً يرفع على أفواه الممثلين، وإنما هو حالة وحدث وأشخاص لا تلوح بشعار، ولكن توحي به).

(الطيب)، تعلم حرفة النجارة على يد أحد المعلمين، ليصبح بدوره معلماً، وسنه لا تتجاوز (18) سنة، لكنه تعلم القراءة والكتابة فيما بعد، كان مولعاً بالحكي وحفظ المرويات الشفهية، لم يتتلمذ على يد أي مسرحي، لكنه نهل من الحلقة ومرويات الجدة، وتربى بين مدينتين عريقتين، فاس ومراكش، وقال عنهما: (أنا مفتون بزوج مدون الناس ساكناً، وأنا مسكون).

محمد سعيد عفيفي

اشتغل الطيب العلج، ممثلاً وموظفاً بوزارة الأنباء، كما عمل رئيساً لمصلحة الفنون الشعبية بمسرح محمد الخامس بالرباط، وشارك سنة (1960م) في تدريب بمسرح الأمم بباريس. انضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة (1986م). وأحرز سنة (1973م) جائزة المغرب في الآداب، كما نال وسام الاستحقاق الفكري السوري سنة (1975م).

الطيب العلج، بحبه وولعه للمسرح، علم أجيالاً وترك ذاكرة مسرحية ليست بالهينة، لأنه نذر حياته للفن والثقافة بصفة عامة، وللمسرح المغربي بصفة خاصة، مستلهماً مواضيعه من مكونات التراث الشعبي، بمختلف أنماطه: (الحلقة، الملحون، الحكاية، الأمثال، الحكم، الألغاز). مؤكداً أن الفن متعة وتربية؟

اقتبس وألف أحمد العلج، وترجم العديد من الأعمال والنصوص المسرحية، أبرزها: (دعاء للقدس)- مسرحية مصطفى القباج وأحمد الطيب العلج، الرباط (1980م)- (بناء الوطن)، مسرحية، الرباط، مسرح محمد الخامس (1988م)- (السعد)، مسرحية، الرباط، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر (1986م)- (جحا وشجرة التفاح)، مسرحية، طنجة، منشورات شراع، سلسلة إبداع، (حليب الضياف) (1928)، مسرحية. ومن مؤلفاته باللغة الدارجة: عزيزي أنا، النفخة، طالب راغب، الشهيد. كما أثرى البرامج الإذاعية بالعشرات من التمثيليات والمسلسلات، التي كانت تلقى إقبالاً كبيراً من مستمعي الإذاعة، كما تم إطلاق اسمه على (ستوديو 5) بالإذاعة الوطنية.

ثريا جبران

أسهم الراحل أحمد الطيب العلج، في إخراج الأغنية المغربية من ضيق المكان إلى رحابة العالمية، بكتابته لخالدات رائعة، مازالت موشومة في الذاكرة المغربية، يأخذنا الحنين دائماً لها، بعمق وصدق كلماتها، وأصالتها المغربية الخالصة، والتي تناهز أكثر من مئة أغنية، وقر بها قلوب محبيه دون استئذان، ناهيك عن أغاني روائعه المسرحية.

أحمد الطيب العلج، الذي أعطى الكثير للمسرح المغربي، هو وزملاؤه: الطيب الصديقي، ومحمد سعيد عفيفي، ومصطفى سلمات، ومحمد مفتاح، ونعيمة لمشرقي، وثريا جبران، وحسن الجندي، والقائمة طويلة... هؤلاء قدموا لنا إرثاً مسرحياً، وجب أن نفتخر به، ونحرص على إيصاله إلى الأجيال الصاعدة. فهل تنبعث روح أحمد الطيب العلج من جديد، لميلاد مسرح مغربي نحتاج إليه اليوم أكثر من الماضي؟